المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصص واقعية ؟؟



بنت سبورتية
20-03-2010, 05:45 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة انا اليوم يبت لكم قصة واقعية من جريدة الخليج للكاتبة مريم راشد ::

اتمني ان تنال اعجابكم ؟؟؟؟


















بين أربعة جدران قد تكون بالقرب منا في حينا أو الحي المجاور تحدث فصول قصص غير متوقعة عندما نسمع عنها نعتقد أننا نعيش أحداث فيلم سينمائي من نسج الخيال لكنه حقيقة لا نصدقها، إحداهن عاشت فصول قصة من هذا النوع تتحدث عنها قائلة: سيدي اغفر لي ارتعاشة الكلمات وسوء الخط، واستميحكم عذراً في قسوة بعض التعبيرات وفجاجتها، ولكني لم استطع التعبير عن نفسي إلا بما حدث مجرداً من أي تنميق أو تجميل وأناشدك ألا تقسو علينا، فنحن بنات قسا الزمن علينا طويلاً، وأرواحنا كما أجسادنا كلها ندبات وجروح .



نحن ست بنات، خمس شقيقات، والصغيرة من أم أخرى، عشنا أيام طفولتنا وصبانا في عذاب لا يمكن وصفه أو تخيله بسبب قسوة أب تجرد من كل مشاعر الإنسانية، ولم نهنأ، أو نغمض عيوننا إلا بعد موته الغريب والمفاجئ، موته استمر سنوات، واعتقدنا أن الحياة السعيدة بدأت، وأن السماء تعوضنا عما عانيناه، ويبدو أنها كانت أضغاث أحلام، فها هو الفزع يعود من جديد، والنوم يستعد لهجرة عيوننا التي أدماها البكاء .



دعني استرجع معك ذكرياتنا التي لا تفارقنا لحظة، فكل ألم عليه شاهد في الروح والبدن . استيقظت عيوننا منذ الميلاد، على أم كسير، باكية دائما، وأب لم نره في البيت إلا في يده سلك كهرباء عار، تنهال سياطه على أجسادنا، إذا بدر منا أي صوت، هل يمكن تخيل طفل لا يبكي؟ نعم، نحن، كنا نعي أن البكاء حتى في الأشهر الأولى يعني ألما غير مفهوم من يد شبح، لم نكن نعرف ماذا يمكننا أن نناديه .



أتذكر الآن، عندما كان عمري 5 سنوات، أمي حامل في شهورها الأولى، كانت تستحم، سقطت في الحمام، فأخذت تستغيث بصوت منخفض حتى لا توقظ أبي النائم، ولكنه للأسف مع بكائها، هل يمكن أن تتوقع ماذا فعل؟ لا أنسى ملامح وجهه في ذلك اليوم، ملامح شيطانية مفزعة، لم يثنه دمها المراق على الأرض، لم يفزعه، انهال عليها ضربا ورفسا في بطنها وشدها من شعرها خارج الحمام، ونحن نبكي ونصرخ رعبا، حتى تجمع الجيران، وأخذها أحدهم فاقدة الوعي إلى المستشفى، بينما توجه هو إلى غرفة نومه . يومها أصبت أنا الأخرى بانهيار عصبي وظللت مريضة فترة طويلة .



هل لك أن تتخيل ماهو جزاء أية واحدة فينا، لو لم تتفوق في المدرسة؟ يحلق شعرها، ويغرس وجهها في صفيحة الزبالة ثم ينهال عليها ضرباً بالسلك العاري حتى تفقد وعيها من شدة الألم .



لم يكن أبي ينفق علينا، ولا تظن أنه كان فقيراً، بل كان كما يقولون يلعب بالفلوس لعب، معه أموال كثيرة من تجارته ولكنه كان يأمرنا بالعمل ونحن أطفال لنشتري ملابس المدرسة، وننفق على أنفسنا . كنا نمسح سلالم أقاربنا والجيران مقابل أجر، أما أمي فقد اشترى لها أخوالي ماكينة خياطة، إضافة إلى عملها في مصنع مجاور لمنزلنا حتى تنفق علينا .



ذات يوم جاءت أختي متأخرة قليلاً من المدرسة، فانهال عليها ضرباً، حتى هربت من البيت، غابت أسبوعاً ثم عادت، وبعد العلقة المعتادة اصطحبها عند طبيبة نساء للتأكد من عذريتها، ثم قرر تزويجها فوراً، أراد تزويجها من عامل بسيط بالكاد يدبر قوت يومه وأمام قراره، لم تجد أختي إلا الانتحار حلاً، أحرقت نفسها، تركتنا للعذاب ورحلت . هل تعرف ماذا فعل هذا الرجل الذي يسمى أباً قال بأعلى صوته: الحمد لله ارتحت من واحدة عقبال الباقي .



اقترح أخوالي على والدتي أن تترك له البنات الكبار، وتذهب معهم بالبنات الصغار، ولكن أمي رفضت خوفاً على الكبار والصغار من بطشه وجبروته، فقد كانت ترى في وجودها بعض الحماية لنا .



لا يمكن لأحد تخيل معنى الذل والحرمان مثل الذي يعانيهما . لن يستوعب أحد معنى استحالة أن تتحرك من موقعك في البيت أو تمشي حافياً لأن والدك نائم . لن يفهم أحد معنى أن ترتدي طوال العام صيفاً وشتاء فستاناً ممزقاً، وتأكل رغيفاً واحداً، وتنام الليل خائفاً، وتصحو النهار مذعوراً .



لك أن تتخيل كل شيء، كل أنواع العذاب والقهر والألم، فليست أزمتنا الآن فيما فات، منذ 14 عاماً، أصيبت أمي بنزيف حاد مما أغضب أبي، فانهال عليها ضرباً، واستنجدنا بأخوالي، نقلناها إلى المستشفى ولكن قضاء الله كان أسرع، ماتت أمي، كلمة الحنان في الحياة، ورفض القاسي تسلم جثتها حتى دفنها أخوالي . وفي الأربعين دخل أبي علينا البيت وفي يده مطلقة عمرها20 عاما قال إنها زوجته، وقتها كنت أعيش معه أنا وشقيقتي الصغرى، بعد زواج شقيقاتي . جمعنا أبي وقال لنا: لو شكت لي منكما كلمة، فسأضع سلك الكهرباء في عيونكما، وفرغ شقيقتي من عملها في مقلاة اللب لتخدم زوجته الجديدة، أما أنا فكنت أسارع بالعودة من عملي، حتى أنظف البيت وأطهو لهما الطعام .



المهم التفاصيل متعددة، ولكن الأهم أن أبي تزوج ثلاث مرات بعد أمي، وآخر واحدة حملت رغماً عنه فطلقها وعاش من دون زواج حتى حدث ما حدث!



منذ 8 سنوات ذهب والدي لأداء العمرة ولم يعد، انقطعت أخباره عن الجميع منذ سفره، توجه أعمامي عدة مرات إلى السفارة السعودية يسألون عنه بلا جدوى، لا يعرف أحد له طريقاً . هل تدري كيف كان إحساسنا مع كل يوم نتأكد من غيابه؟ أصابتنا كريزة ضحك، صرخنا: زمن العذاب انتهى، روحة بلا رجعة، خمس سنوات عشناها على أعصابنا حتى أقمنا دعوى أمام المحكمة لاعتباره مفقوداً وعملنا إعلام وراثة . بعدها فقط بدأنا نشعر أننا آدميون، انطلقنا في الشقة، مزقنا صوره، ألقينا بملابسه في صناديق القمامة، حتى الملاية التي كان ينام عليها والبطاطين التي استخدمها، حذاءه، الأكواب التي كان يشرب فيها، الكرسي الذي جلس عليه، كله حطمناه، تخلصنا منه، أتعرف ما الذي كان يؤلمنا ويعذبنا؟ أنه مات من دون عذاب، لم يعش أمامنا ذل المرض .



حصلنا على أمواله التي حرمنا منها واكتنزها في البنك، كل واحدة فينا بدأت تتحدث عن أحلامها، واحدة ستشتري ذهباً، والأخرى تشتري محلات ملابس، والثالثة تشتري سوق الخضار واللحوم، وهكذا بدأنا في تنفيذ أحلامنا، لا يعكر صفو حياتنا سوى منازعات أعمامنا فيما هو حق لنا .



كان كل شيء يسير طبيعياً حتى جاء هذا اليوم، في شهر رمضان دعتني زميلتي إلى عقد قرانها . في أحد المساجد صليت ركعتين تحية للمسجد، وفيما أنا خارجة في طريقي إلى القاعة، لا أدري ما الذي دفعني إلى النظر خلفي، هل يمكن تصور من كان يجلس على الأرض؟ إنه أبي، رجل عجوز ممزق الملابس، لا يمكن، هل عاد أبي، أصابني الفزع واستعدت كل تاريخي، اختبأت، خشيت أن يراني، ثم توجهت إليه وأنا ارتجف، نظرت إليه فلم يعرني اهتماماً، استيقظت على نداء صديقاتي، فحضرت عقد القران، ثم توجهت إلى إمام المسجد وسألته: هل تعرف هذا الرجل، فقال لي إن أحد أقاربه أتى به منذ فترة من القاهرة وأخبرنا أنه كان يعالج في المستشفى، ويخدم في المسجد، ويغسل السلالم في العمارات المجاورة .



هل يمكن تخيل ذلك، والدي الذي كان يصحو العصر من نومه، ويرتدي أفخر الثياب، يمسح السلالم ويجلس على الأرض . طلبت من الإمام أن يدعوه، وسألته عن حكايته فقال لي، إنه كان في مستشفى في السعودية، والسفارة هناك أخبرته أنه مجهول الاسم، وهو لا يتذكر أي شيء عن شخصيته، وعملوا له وثيقة سفر ورحلوه، هو يحكي وأنا أستعيد كل المشاهد القديمة تفصيلياً، بكيت وبكيت، لم أعرف لماذا أبكي، هل هذا الرجل المنكسر الذي ينظر لي بمحبة وحزن هو أبي الظالم . يمد يده ليأخذ مني بعض النقود، أتذكره وهو يقذف في وجهي صينية الطعام لأني نسيت شيئاً، يعيدني صوته وهو يدعو لي: ربنا يطعمك ما يحرمك . سألته: هل تتذكر وضعك سابقاً؟ وأرد في نفسي: كنت شريراً، قاسياً، تضرب بسلك الكهرباء . نظر إليّ طويلاً وقال: “أنا حاسس إن ربنا بيعاقبني على شيء عملته وغضبان عليّ” . لا أعرف من أين أتيت بهذه الدموع، هل كنت أبكي عليه أم لأنني تذكرته وهو يجر أمي من شعرها وهي تنزف، أتذكره وهو يرفض الذهاب إلى المستشفى لدفنها .



عدت إلى البيت، دعوت شقيقاتي وحكيت لهن ما حدث، لم يصدقن ما سمعنه، فقررنا استدعاء محامينا، واتفقنا على الذهاب إليه لرؤيته، اندفعنا نحوه، كادت واحدة تناديه: بابا، منعناها . جلسنا معه وبدأ المحامي يحكي لي حكايتنا مع أبينا الذي هو الجالس أمامنا تعمدنا ذكر بعض كلماته حتى نتأكد من ذاكرته، فوجئنا به يبكي ويقول: كيف لأب يفعل ذلك في بناته، أنا كان نفسي يكون لي بنات مثلكن، قالت له أختي: يمكن أولادك لو عرفوا إنك عايش يتبروا منك! نظر إليها باندهاش قائلاً: لماذا أنت بهذه القسوة؟



المهم سيدي، عدنا إلى البيت أكثر حيرة، جاء خالي لنا وأخبرناه، فقال إنه لابد أن يعود إلى بيته، فهذا حقه . وقال المحامي: إنه لو عاد سيستعيد أمواله منكن، أعمامكم سيرفضون، وسيقدر عليكن، ولو عالجناه، قد يعود إلى ما كان عليه وينتقم منكن . قلنا مرة ثانية عذاب وذل وبهدلة .



اتفقنا أن نذهب له كل شهر، نمنحه صدقة تكفيه وطعاماً وملابس . فكرنا في إدخاله مستشفى والإنفاق عليه ولكن خشينا أن يشفى ويفهم ما فعلناه به فينتقم منّا .



سيدي، عقولنا ترفض عودته، ولكن ضميري يؤلمني، صوت في داخلي يقول لي: ارحمي عزيزا ذل، ارحمي أباك في شيخوخته، يكفي ما يراه من عذاب، يغسل سلالم العمارات في عز الشتاء، ألا يكفي انتقام الله . وللحديث صلة .

البارت الثاني ::



منذ ثماني سنوات، ذهب والدي لأداء العمرة ولم يعد، انقطعت أخباره عن الجميع منذ سفره، حصلنا على أمواله التي حرمنا منها واكتنزها في البنك كان كل شيء يسير طبيعيا حتى جاء هذا اليوم، في شهر رمضان حيث الصدمة إنه أبي، رجل عجوز ممزق الملابس، لا يمكن، هل عاد أبي، أصابني الفزع واستعدت كل تاريخي واتفقنا على أن نذهب له كل شهر، نمنحه صدقة تكفيه وطعاماً وملابس . . فكرنا في إدخاله مستشفى والإنفاق عليه ولكن خشينا أن يشفى ويفهم ما فعلناه به فينتقم منا .



منذ أيام ذهبنا إليه وجدناه مريضاً في حجرة متواضعة بجوار المسجد، وقال لنا إمام المسجد: إن الطبيب أخبرهم بمرضه بالسكر والضغط وماء على الرئة . . أهل الخير أحضروا له الدواء . . وجدت بجواره كيسا فتحته فوجدت فيه خبزاً عفناً . . أتألم له ومنه . . أتذكر ذات صباح عندما استيقظ من النوم فلم يجد خبزاً طازجاً، ففتح رأس أمي بغطاء ماكينة الخياطة، وها هو اليوم يأكل خبزا عفنا يا الله!



جمعت أخواتي وأخذتهم ومعنا المحامي وذهبنا لنرى أبي الذي عاد . . سألنا عليه، فدلنا أولاد الحلال على مكانه، وعلمنا انه تم نقله إلى أحد المستشفيات الحكومية، فذهبنا إليه هناك، ورأينا مشاهد مؤلمة، فقد كان ينام على مرتبة متهالكة، داخل حجرة كئيبة، فيها كثير من المرضى، الذين أخبرونا أنه يذهب كثيراً في غيبوبة، وأن الأطباء يريدون أن يخرجوه، ولكنهم لا يعرفون أهله حتى يتسلموه .



ذهبنا إلى الطبيب لنسأل عن حالته، فقال انه يعاني أمراضاً كثير هي ضغط وسكر ومياه على الرئة، وتليف بالكبد، ودوالي بالمريء، نقلناه إلى أحد المستشفيات النظيفة على مسؤولية المحامي، وعندما أفاق من الغيبوبة بكى بشدة، وقال: اشتقت لكم لماذا لم تأتوا إلي منذ فترة، بكينا سيدي من هذه الكلمات، ومن حالته المأساوية، ومن وصف الأطباء لأمراضه الكثيرة، كان يقول هذه الكلمات ودموعه تغرق وجهه الذي سكنته الشقوق والجروح، وكأنه كان يشعر أننا أولاده!!



بعد أيام طلب منا الأطباء الاهتمام بعلاجه، ونظافته، ومعيشته، وفوجئنا به يطلب منا أن نخرجه من المستشفى لأنه علم أن الغرفة التي يقيم بها مرتفعة الثمن، وسامح الله شقيقتي، فقد قالت له: أنت في غرفة لم تحلم بها أخفى وجهه في الملاءة، وقال لي: أخرجيني يا ابنتي من هنا، وأقرضيني ثمن العلاج، وسوف أسدده لك إن شاء الله، فقالت له أختي ومن أين ستسدد؟ قال: سوف أعمل، سأنظف البيوت، وأمسح السلالم، هذا هو عملي، وإن لم استطع تسديد دينكم سأعمل عندكم بثمن العلاج، أمسح سلالم شققكم وأنظفها!



لم تعطنا شقيقتنا فرصة لنشفق عليه بعد هذا الموقف، فعلى الفور قالت له: لقد كان لنا أب لكن لم يرحمنا ولم يرحم أمنا، حتى وهي مريضة كان يجبرها علي العمل ويقول لها اشتغلي بلقمتك على الرغم من أنه كان يمتلك كثيراً من الأموال، لكنه اليوم على استعداد للعمل عند أولاده، يخدمهم، ليسددوا نفقات علاجه، وهنا تدخلت أنا، وقلت له: أننا ننفق هذه الأموال عليك صدقة عن أمي المتوفاة، فأنت مثل والدنا، نهرتني أختي قائلة: لا تطمعيه فينا، أنت السبب، ربنا ياخدك معاه، كان لازم تقابليه، وترجعيه مرة أخرى؟



أصر أحد أخوالي على الذهاب إلى أعمامي ليخبرهم أن أخاهم أبو البنات قد عاد، وأنه حي، لم يمت، ويعالج في المستشفى، فكذبوه، وحضروا إلى المستشفى، وحدثت بيننا معركة كبيرة وضربونا، وكانت فضيحة في العائلة، ولكن خالي ذهب إلى قسم الشرطة، وسجل شكوى ضد أعمامي، وجاء ضابط الشرطة إلى المستشفى ليسأل العجوز: من أنت؟ قال: أنا لا أعرف شيئاً هؤلاء البنات ساعدنني، وأحضرنني إلى المستشفى للعلاج، وقال إلى الأطباء إني فاقد للذاكرة، ولكني لو كنت فعلاً أباهم، فأنا لا أريد أن يعرفنني مرة أخرى قالها سيدي، وهو يبكي بحرقة، فكيف لأب أن يضرب بناته، ويعذبهن، بل ويكون سببا في وفاة أمهن، هل كنت أنا هذا الوحش، إن كنت كذلك، فلا أريد أن أذكرهن بما عانينه معي .



خرج الرجل من المستشفى، بعد علاجه، وعلم أننا بناته وكان كلما يرى واحدة منا يداري وجهه، وهو يبكي ويقول اللهم قصر أيامي فأقول له أنت مش مبسوط انك عرفت أولادك، فيقول كان نفسي أكون مبسوطاً ولكن ذكرياتي معكن ذكريات موت، ولهذا لن أستطيع العيش معكن، سأعود إلى حجرتي الصغيرة، أكنس وأمسح السلالم، والبيوت، ولكن كل ما أطلبه منكن يا ابنتي هو أن تسامحنني . . سامحنني أرجوكن!!



كررها سيدي أكثر من مرة . . سامحنني، فقلت له لو سامحناك نحن في حقنا، فمن يسامحك في حق أمي؟ فقال وهو يبكي يا ابنتي . . يا ويلي من عذاب الله، فلا أدري ماذا أقول لربي عندما يسألني: لماذا لم تنفق على بناتك، وقد رزقتك مالا كثيرا؟ لماذا تركتهن ومعهن زوجتك المريضة يعملن لينفقن على أنفسهن؟ . . ماذا سأقول لربي إذا سألني: لماذا لم تتسلم جثة زوجتك، وتدفنها؟



أخذته أختي الوسطى بعدها ليعيش معها، ولكنها سامحها الله كانت تعطيه العلاج على معدة خالية لأنها كانت تقوم من النوم متأخرة، وكان أول طعامه هو العيش الناشف، فكان يطلب منها أن تبلل له الخبز ليستطيع مضغه، فكانت تغرق الخبز في الماء حتى يتفتت، فيلملمه بأصابعه الضعيفة، وهو لا يملك ما يسد جوعه غير ذلك، وكانت كلمته التي يرددها دائما: أهي أكلة والسلام!



لا أستطيع أن أنسى مشهده، سيدي عندما ذهبت لزيارته يوما، فوجدته جالساً عند باب الشقة من الداخل، حزيناً وخائفاً فسألته ماذا جرى؟ فأخبرني أنه تبول لا إرادياً على مرتبة السرير وان شقيقتي قد نبهت عليه ألا يفعلها مرة أخرى، بكي بشدة ورجاني أن أرحل به من عندها، فأخذته وذهبت به إلى أختي الاخرى، فقد كنت رافضة أن يعيش معي في الشقة، فأنا أعيش منفردة، وكنت لا أريد أن أعيش لخدمته، وكنت أقول لنفسي في بعض الأوقات اتركيه يتبهدل عند أولاده ثم اذهبي به لحجرة الموت التي كان يعيش فيها . . أعرف أنكم جميعاً ستدعون بأن ينتقم الله مني، وقد قلتها بالفعل لنفسي!



عندما دخلنا على أختي باغتته بسؤال: هل ما زلت حياً والآن ستعيش معي؟ تعلق الرجل في يدي، وبكى، واستحلفني ألا أتركه وأصطحبه معي، فأخبرته أنها أيام قليلة، ثم يعود إلى حجرته الأصلية، تركته سيدي، ولكن ظلت نظرة عينيه لا تفارقني دقيقة، وهو يتوسل لي ألا أتركه، فعدت بعد أسبوع لزيارته، فوجدته نائماً على كنبة بشرفة المنزل، وعلمت أن شقيقتي كانت تكلفه بنظافة المنزل، ومسحه، وكأنه خادمة، حتى إن زجاج الشباك أصاب إصبعه، فلم تكلف نفسها عناء علاجه، وتركته ينزف ويعاني .



أمسك بيدي ورجلي، ورجاني أن أعود به إلى حجرته، ووعدني أنه سيطلب من أولاد الحلال سداد ما أنفقناه عليه في علاجه أخذته وذهبت به إلى حجرته الصغيرة التي يسكن فيها وأعطيت شيخ المسجد أموالاً لكي يقوم على رعايته ثم سافرت، وما إن نزلت في محطة القطار، حتى وجدتني أعود مرة أخرى، وأستقل القطار العائد وعندما دخلت عليه انهار بالبكاء، وقال كنت أعلم أنك ستعودين، أنت فقط من أشعر بك، استلقيت في حضنه لأول مرة إنه أبي يأخذني في حضنه الدافئ، بكيت على كتفيه، غمرت وجهه الدموع، ثم سألني: هل سامحتيني . . فرحت في صمت عميق، ولكنه ليس علامة الرضا .



لم أستطع أن أتركه بعد كل ذلك، واصطحبته معي إلى شقتي، كنت أبحث عن رضا ربي قبل أي شيء، على الرغم من النار الدفينة التي كانت تسكن أحشائي مما فعله معنا . . عشنا معا فترة شعرت فيها لأول مرة بطعم أن يكون لك أب يربت على كتفيك، يحنو عليك، كنت أدخل الشقة فأجده واقفا إلى الشباك ينتظرني، ويطمئن عليّ، كان يطلب مني أن آخذه إلى مقبرة والدتي، وعندما وقف أمامها، بدأ في قراءة القرآن، وبكى كثيراً، ثم طلب منها أن تسامحه، وأن تشفع له عند الله ليسامحه .



لا أنسى هذه الأوقات التي كان يساعدني فيها في لملمة أوراقي التي كنت أحضرها معي للعمل بالمنزل، ثم نبدأ في اللعب على الكمبيوتر، لم أعد أحتمل البيت من دونه فقد كان يذهب لزيارة حجرته، التي كان يسكن فيها، فلم أتحمل هذه الساعات، وذهبت فوراً لإحضاره لا أخفي عليكم سيدي، أنه حتى النوم أصبح له طعم في وجوده، فكنت أستغرق في النوم، وأنا مطمئنة أن أبي معي في المنزل، يحرسني بدعواته التي لا تنقطع، ربنا يكفيك شر عباده يا بنتي!



في هذه الأوقات قررت أن أذهب لقضاء العمرة، وعندما أخبرته، ضحك، وقال: احذري تفقدي الذاكرة . . وبكى، وقال لي، ومن سيزورني؟ ثم بدأ يوصيني بالدعاء، ووعدته بأن أصطحبه معي في المرة المقبلة، سافرت بعد أن أعطيته تليفوناً محمولاً لكي أطمئن عليه، وبعدها علمت أنه مرض، ولم يجد أحدا يدخله المستشفى، وبعد أن قضيت عمرة رمضان، عدت، وأخذته إلى المستشفى، كان يعاني في هذه المرة، يبتسم كثيراً، ويبكي أكثر، ويشرد بناظريه أكثر وأكثر . . وكان يردد دائما: يا ربي هل خففت عذابك عني؟ ترى هل تقبلت دعوتي؟ . . هدأته، وقلت له: ارحم نفسك، ولأول مرة نبض قلبي بالدعاء له، أن يشفيه، تركته في اليوم التالي، وذهبت إلى عملي، وعدت مسرعة بعد أن اتصلت بي الممرضة، لتخبرني أنه في غيبوبة، فاقتحمت حجرة الرعاية المركزة، ورميت نفسي فوق صدره، وبكيت، كما لم أبك من قبل، وصرخت بأعلى صوتي . . يارب، دعه يشعر بي، ولو لحظة واحدة، لكي أقول له: سامحني . . سامحني على كل لحظة عاملتك فيها بجفاء، فقد كان كل ذلك رغما عني . . جلست عند قدميه، وقبلتهما ثم قبلت رأسه، واستحلفته ألا يتركني، وطلبت منه أن يغفر لي، ثم ذهبت لأصلي، وما هي إلا لحظات، حتى حضرت الممرضة، لتقول لي: البقاء لله!



رحل أبي ورحت أنا في غيبوبة، وعلمت بعد أن أفقت أن أعمامي رفضوا دفنه في مقابرهم، فدفنه خالي في مقابر العائلة بجوار أمي التي رفض سابقا تسلم جثتها، ويا للقدر يا سادتي، فقد تكون قد سامحته هي الأخرى . الآن لم أعد أجد من ينتظرني في المنزل، لم يعد هناك من يدعو لي، أصبحت أعيش في وحشة الوحدة نعم - سيدي - لقد بدأ انتقام الله معي ويبدو أن انتقام الله قد بدأ معي ومع أخواتي، فقد مرضت بهوس نفسي كنت أقطع ملابسي وأجري في الشارع وأصرخ وأبكي أضحك وأرقص، ثم أعود لأصرخ: أبي مات . . يا ناس أبي مات!



أما شقيقاتي، فسوف أقول لكم ما حدث لواحدة منهن فقط، وهي التي كانت تطعم أبي الخبز الجاف فقد أصابها مرض البهاق في جسدها كله، ولم يتحملها أحد حتى أولادها وزوجها وطلبوا مني أن آخذها لتعيش معي .

ولا تنسوني بردود ؟؟:(18)::(18)::(18):

نجمة الكــون
20-03-2010, 06:12 PM
ثانكس ..
الصراحـة القصه مؤلمــة

السعدي UK
22-03-2010, 12:39 AM
مشكوووورة ع تعبج القصة بالصراحة مؤلمة