المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحق ما تلحق



المتعقد
25-02-2010, 02:28 PM
ممكن تعطوني مقال عن الحرية:(45):

المتعقد
25-02-2010, 02:29 PM
اسف انا كاتب الموضوع المتعقد
اريد مقال عن الحرية

سمسومه مقروصه
25-02-2010, 07:34 PM
بدورلك أخوي و بعطيك


أعتمد أخوي

سمسومه مقروصه
25-02-2010, 07:36 PM
تفضل أخوي
.
.
.
.
.
.
.


كي يرون بعضهم...شرط الحرية

وحدها الحرية، تجعل من الناس مرئيين كما هم. وحدها تجعل الناس يبدون كما هم عليه، فهي نقيضة الأقنعة والتمثيل والشخصيات المتعددة، الحرية نقيضة عمل الستر المستمر الذي يجعل الفرد في النهاية غير مرئي. العمل الذي يجعل منه ممارسة تزييف مستمرة في شكل إنسان. يجعل منه شكلا صارخا من الخطأ والإشكال.

في ظل هروب الحرية واختفائها من المجال العام في بلد ما فإن الرؤية تنخفض بشكل كبير جدا لدرجة أن الإنسان لا يرى الآخرين من حوله بل لا يرى نفسه ذاتها باعتبار أن الحرية هي الشرط الذي يجب أن يتوفر كي نرى بعضنا البعض. للأسف أن المساحة التي يعبّر الإنسان فيها عن نفسه هي مساحة محكومة بقانون عام تاريخيا غابت عنه الحرية كثيرا، قانون بين الناس، يتجسّد بقوّة في تجربة الأسرة الأولى ثم يتمثل في تجربة الحياة الباقية من خلال المجتمع ككل. وللأسف أيضا أن هذه المساحة هي التي يستطيع من خلالها الإنسان العيش في ذاته ومع ذاته.

التربية التي يخضع لها الفرد، أي نمط العلاقات التي يتشربها الطفل منذ البداية بينه وبين الآخرين، وبينه وبين الأشياء وقبلها بينه وبين نفسه هي العملية المعقدة التي تسفر عن ذات متشكلة تمارس حياتها مع الآخرين. وبحسب عملية التشكيل الأولى فإن المساحة العامة، التي يتشاركها كل الأفراد، تصبح مسرح العرض الذي يتحقق فيه الأفراد ويعرضون أنفسهم. قد يكون العرض عبارة عن أقنعة متحركة، متشابهة تخرج على المسرح لتقول إنها غائبة وغير موجودة، وقد يكون المسرح مساحة للانكشاف والظهور...

يمكنني أن أقول إن مسرحنا، حياتنا العامة، هو مسرح الأقنعة والستر والإخفاء إنه مسرح منخفض الإضاءة إلى حد كبير ووحدها الحرية يمكن أن تمثل الإضاءة التي تكشف أن الأقنعة متشابهة وأن الاختلاف غير موجود، أي أن الأفراد غير موجودين، وحدها الحرية تستطيع أن ترفع الأقنعة لنبدأ نتعرف على بعضنا من خلال اختلافنا وتنوعنا وتعددنا. لنكتشف أننا لا نشبه بعضنا ولكننا يمكن أن نحب بعضنا ونعيش مع بعضنا. مع الحرية تتحدد الحدود وتتضح بجلاء الخطوط الفاصلة بين الأفراد، مع الحرية يعود الأفراد أفرادا بعد أن كانوا غائبين وسط خليط بدون ملامح.

منذ التربية الأولى يتعلم الطفل أن يصدق أو يكذب، أن يعبر عن نفسه كما هي أو أن يزيّف حقيقته أمام الآخرين وأمام نفسه. منذ التربية الأولى يتعلم الطفل أن المطلوب منه هو أن يكون شخصا مستقلا صادقا أو أن يكون صورة تتوفر فيها الشروط المثالية التي يطلبها المجتمع. منذ التربية الأولى يتعلم الطفل أن يكون نفسه أو أن يكون شيئا آخر، شيء جاهز للعرض حسب الطلب. منذ الطفولة الأولى وعلى مسرح الحياة يتعلم الطفل أن يكون هو مخرج هذه التجربة المسماة حياة أو أن يكون مجرد ممثل ينفذ كلام المخرج، يبقى ممثلا يؤدي الدور طول حياته لينتهي دون أن يعرف أحد، ولا حتى هو نفسه أن داخل هذا الممثل ذات أخرى انتهت التجربة دون أن تظهر.

دون توفر الحرية فإننا لا نستطيع أن نعرف بعضنا البعض، فالأقنعة تحجب حقائقنا. إذا لم أكن قادرا على أن أقول لك بحرية من أنا، أفكاري، مواقفي، رغباتي دون خوف فإنك لن تعرفني. سأستمر في تنفيذ الدور أمامك وأنت كذلك دون أن نتجاوز هذه الحدود وفي النهاية لا نعرف بعضنا البعض. يكثر عندنا أن يتفاجأ الأهل بتصرف معيّن لابنهم أو بنتهم بعد أن مرّ على وجوده معهم سنين طويلة. يتفاجؤون بأنه فنان أو بأنه مبدع أو بأنه حزين جدا ... يتفاجؤون لأنه لم يكن حرا معهم، لم يجد الحرية التي تسمح له بأن يعلن عن نفسه كما هي بدون خوف. ما يحصل هو أن الأفراد يحاولون أن يتمثلوا الصورة النمطية السائدة في المجتمع ليسلموا من العنف الذي سيتعرضون له لو أرادوا التعبير عن الاستقلال والتفرد. والمشكلة الكبرى أننا مع تعود عملية التزييف هذه نعجز عن الخروج عنها بسهولة حتى ولو توفرت لنا أجواء الحرية باعتبار أننا نحتاج إلى إعادة تكيّف وإلى مواجهة الحواجز التي أصبحت جزءا من ذواتنا. نلاحظ في أنفسنا ذلك التوتر حين نبتعد عن العين الاجتماعية الرقيبة ونحظى بأجواء الحرية، نشعر بالغربة وبالتوتر والقلق في الممارسات..وحده الوقت الطويل يعيد لنا طبيعتنا من جديد. طبيعتنا الحرة ..أي أن نظهر ما نبطن ..ببساطة.

حتى على مستوى الحراك الفكري في المجتمع، فإذا لم تكن التيارات والتوجهات الفكرية تتمتع بأجواء من الحرية العالية فإنها لن تعبّر عن حقيقتها وبالتالي ستبقى غير حقيقية ولن تستطيع التيارات الفكرية التواصل مع بعضها تواصلا حقيقيا بدون أن تشعر بأنها حرة وتستطيع أن تعبّر عن نفسها بدون خوف. إذا لم تتوفر هذه الشروط فإن كل تيار سيلجأ إلى التعبير عن نفسه بطرق ملتوية وغامضة ومتناقضة مما يؤدي إلى فساد منظومته الفكرية من جهة وإلى استمرار القطيعة بينه وبين التيارات الأخرى من جهة ثانية. وكل هذا يعني عطالة للفكر وهشاشة للحركة الفكرية بمجملها.

إذا كان الأفراد يمرضون فإن المجتمعات بكاملها تمرض أيضا والعلاقة بين الأمرين متبادلة، فمرض الأفراد ينتج مرض المجتمع والمجتمع المريض ينتج باستمرار أفرادا يحملون نفس المرض. ومشكلة مرض المجتمع أنه يصبح هو الوضع الطبيعي ويكفّ الغالبية عن الوعي بأنه مرض، بل إن الأمراض قد تصبح مع الوقت تعبيرا عن الهوية والذات. بعض المجتمعات مثلا تعتزّ بعصبيتها وتطرفها وتعتبر ذلك لب هويتها، مع أن هذه الهوية بالذات هي المرض القاتل. وبشكل عام يمكن القول إن المجتمعات التي تنخفض فيها مستويات الحرية فإنها باستمرار تكون بيئة مناسبة لكل الأمراض الاجتماعية والنفسية التي يأتي في مقدمتها اختفاء الناس وعدم قدرتهم على رؤية بعضهم البعض.




أتمنى يعيبك