المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النقد البناء



تريلة
20-02-2010, 03:27 PM
المقدمة:
النقد الإيجابي عملة نادرة، فقد يستغرق الإنسان عمراً طويلاً وزمناً مديداً كي يجد شخصاً يقدم له نقداً إيجابياً بناءاً. وليس النقد الإيجابي هو الثناء والمديح والتزكية ولكنه بذل جهد لوصف العمل وذكر سلبياته وإيجابياته بوجه منضبط. فهو الذي يدفع المركبة إلى الأمام ويعطي الإنسان قدرة على الإنتاج والتطور.

النقد البناء يكون حول فكرة موضوعية يمكن قياسها. فالدخول إلى النيات والمقاصد ليس من النقد البناء. ولإيجاد نقاط تواصل لابد أن يكون النقد حول نقطة جوهرية واضحة ويكون البناء عليها تأصيلاً وتفريعاً.

الناقد الصادق يتجه نقده إلى صاحب العمل كيف يطوره ويرتقي به دون أن يدمره، فلا يكون هدفه إسقاط الآخرين أو إبراز ذاته من خلال نقده. واعلم أنه من السهل جداً انتقاد الآخرين واكتشاف الأخطاء وإبرازها، ولكن من الصعب بمكان إكمال البناء وإتمام النقص وسد الثغرات.
ماذا يحدث حين يتوقف التفاعل بين النقد والبناء ؟ ومتى يكون النقد مفيدًا وبنّاءً ؟ ،هذا ما سنتطرق إليه وسأتطرق في بحثي أيضا إلى :
¬

مفهوم النقد البناء وخطواته
النقد البناء..لا للتشهير والتجريح
العلاقة الجدلية بين البناء والنقد





النقد البناء ما كان بعيداً عن الهوى والتعصب والأحكام المسبقة ، بل لابد أن يكون هناك تجرد وإنصاف ومحاولة بناء نقدك على أصول شرعية أو عقلية كي ينضبط الأمر لديك. كثير من الجدل يبرز ويظهر بسبب أن النقد كان سببه الجهل أو الهوى والتعصب فلكي يوكن نقدك مقبولاً ومحترماً لابد أن يكون مبني ومرتكز على أصول علمية صحيحة بعيدة عن الجهل والهوى.

إذا كان النقد يسبب فتنة أو يحدث منكراً أعظم من السكوت فالتزام الصمت وترك النقد هو الأولى؛ لأنه ليس من الحكمة أن تنتقد كل ما يحدث ويطرأ. والناس لو سكتوا عن أشياء كثيرة وتغاضوا عن قضايا سلبية لماتت في مهدها ولما حدث لها انتشار. ونحن نرى من أراد أن ينشر فكرة ما أن يطلب من الآخرين نقده.

الناقد الصادق لا يتعسف في عباراته ويغلظ في أقواله؛ بل ينتقي أعذب الألفاظ وأحسنها. فلكي يكون نقدك بناء لابد أن يكون هناك درجة من التواضع والاحترام للآخرين، واحتمال أن يكون الصواب مع الآخرين والخطأ معك. فأنت لا يمكن أن تملك الحقيقة المطلقة دائماً، فإن كان لديك الحق في بعض القضايا لا يعني ذلك امتلاكك للحقيقة المطلقة. والحق لن يقبل إذا كان مصحوباً بتعالي وازدراء للآخرين فالكل يظن أنه يملك الحقيقة .

عند نقدك للآخرين لا تظن أنهم قد يستجيبون لنقدك حتى وإن كان في صورة جميلة زاهية. فكثير من الحالات يمتنع الإنسان عن قبول الملحوظات التي يظهرها له الناس بسبب تصوره أن الأمر على خلاف ما يعتقده الناس أو أن هناك مبررات أخرى .. لذلك عليك فقط تقديم النقد البناء الهادف.

مفهوم النقد البناء وخطواته :
النقد هو عملية معقدة وجوهرية ومؤثرة وهو إما سبيل بناء علاقة جيدة مبنية على الاحترام بين الطرفين أو وسيلة تشويه ونشر غسيل للطرف المنتقد وهنا تخرج العملية من أسسها ومفاهيمها .... والنقد الإيجابي والجوهري مهم لتقييم أداء الأشخاص ودفع المسيرة إلى الأمام . الهدف منه الخروج بتقييم موضوعي ومحايد للأفكار والتصرفات حيث يستوجب مع النقد وجود القدرة على التميز أو الحكم ....

وبما أننا نمارس النقد ونتعرض له يوميا فلذا وجب علينا التعرف عن قرب عن أفضل طريقة للنقد وكيفية تقبله التقبل الأمثل ....
هناك خطوات كثيرة للنقد البناء ... من هذه الخطوات :

الخطوة الاولى .... تآلف مع النقد ..

إن النقد شيء لابد أن تواجهه مهما كان مستواك العلمي أو الوظيفي أو الاجتماعي . لذلك يجب عليك أن تتآلف معه وللوصول إلى التآلف الأمثل يجب علينا الإجابة على الأسئلة الآتية .

- لماذا نجد صعوبة في تقبل النقد ؟
1- لأنني أشعر أن النقد شيء سلبي .
2- لأنني اشعر أن النقد يعني أنني ارتكبت خطأ ما ويجب على أن أتغير .
3- لأنني اشعر بأنني لست جيدا كما أرى نفسي .
4-انه يظهر عيوبي.
4-أنه يعني أنني لا أقوم بعملي جيدا .

- لماذا نجد صعوبة في توجيه النقد للآخرين ؟
1- لا فائدة من النقد .
2-لا نريد التسبب في مشاكل .
3- التخوف من ردة فعل الآخرين .
4-أن يخلق العداوة والبغضاء .

- كيف نتآلف مع النقد ؟
عليك إتباع الخطوتين التاليتين :

1- أكتب جملة نقد ايجابية على بطاقة ما ثم قم بوضع البطاقة على مكان بارز يعزز تقديرك للنقد كشيء ايجابي ..
مثال:- " النقد عبارة عن معلومات يمكن أن تساعدني على تطوير أدائي "
"النقد عبارة عن تعلم مهارات ومعارف جديدة ."
سوف تعتقد انه كلاما سخيفا ولكن هو في الحقيقة سوف يؤثر إيجابا في تغيير نظرتك للنقد ..

2- أن تجتهد في حث الآخرين على نقدك هذا لا يعني أن تطلب منهم أن ينتقدوك ولكن حثهم على تقديم مقترحاتهم لتحقيق مزيد من الفعالية .

الخطوة الثانية ... انقد بشكل استراتيجي :

إن معنى كلمة استراتيجية هي فن وضع الخطط . والنقد بشكل استراتيجي يعني التخطيط المسبق قبل توجيه النقد .
لذا يجب عليك أن تسأل نفسك الأسئلة التالية :
- ما الذي أريد توصيله للآخرين بالضبط ؟
- ما الذي أريد تغييره ؟
- ما دوافعي لإظهار النقد ؟ احذر النقد للانتقام ؟
- ما الحلول والأهداف والاقتراحات التي يمكن أن أعرضها ؟
- كيف أساعد الطرف الآخر إلى تحقيق ما أريد ؟

أما بالنسبة للمواقف المفاجئة والتي تتطلب نقد سريع يجب أن يكون في الحسبان أن ابتعد عن المساس بشخص وكرامة الآخرين وأن احدد كيف يمكن أن يتقبل الطرف الآخر النقد .

الخطوة الثالثة ..... ركز نقدك على إيجاد الحلول :
إن معظم النقد للأسف الذي نتلقاه أو نوجهه يركز على السلبيات حيث يتم إبلاغ الطرف الآخر بما فعله بالماضي مما يدفعه للدفاع عن نفسه واستبعاد أي فرصة للتغير للأفضل . لذا يجب أن يركز النقد على إعطاء الحلول والتوجيهات للحاضر والمستقبل مما يشعر الطرف الآخر بالثقة وأن التغير ممكن ويتحول النقد إلى شيء محفزا وليس مثبطا .

فبدل أن تستخدم جملة كهذه (لقد كنت سيئا في عرض المعلومات).

تستطيع استخدام جملة كهذه ( عليك في المرة القادمة استخدام أساليب أفضل لعرض المعلومات).

الخطوة الرابعة ..... حافظ على احترام الشخص لذاته:

هناك علاقة وثيقة وطويلة المدى بين النقد واحترام الذات... وتلك العلاقة هي التي تعطي النقد قوة للتأثير على احترام الذات سواء بالسلب أو الإيجاب لأن الإنسان بطبيعته يستمد نظرته لذاته من نظرة الآخرين له ..
السؤال : كيف يمكنك أن تحافظ على احترام شخص ما لذاته عند انتقاده ؟
الإجابة :
1- يجب أن تتجنب التعليقات والأسماء التي تحط من قدر الشخص .
2- تجنب وضع النقد في قالب الصواب والخطأ .

مزايا النقد الذي يحافظ على احترم الذات :

1- يمهد لك الطريق لأي نقد مستقبل .
2- سوف يحسن نظرة الطرف الآخر لك .
3- سوف يجعل الطرف الآخر يراك مصدرا موثوقا وينظر لآرائك بعين الاعتبار .
4-يساعد على بناء علاقة وثيقة بينك وبين الطرف الآخر مبنية على التعاون والثقة .

الخطوة الخامسة ..... أختر انسب الكلمات :

إن حسن اختيار الكلمات المناسبة للنقد والنبرة المناسبة له اكبر الأثر في تقبل الآخرين للنقد ، لذلك إليك الطرق التي تمكنك من استخدام الكلمات المناسبة :

أولا : ابتعد عن الكلمات السلبية المشوبة بالعاطفة مثل أنت متهور ( حتى ولو كان الشخص فعلا متهور ) إن طرح مثل هذه الكلمات سوف تجعل الشخص غير متقبل للكلام الذي سوف تقوله . إن العبارات السلبية لا تعود بالنفع على احد ...

ثانيا : اذكر الهدف من النقد أولا ثم استرسل بعد ذلك ..

مثال : عند نقد كتاب أو قصة أو شعر أو موضوع تاريخي أو بحث ما قل للمؤلف أو الكاتب أو الشاعر أو المؤرخ أو الباحث ( إن الهدف من هذا النقد هو جعل الكتاب آو القصة آو الشعر أو البحث بأحسن حال ثم وجه النقد له .. إن هذه الجملة تجعله يتقبل النقد بصدر رحب ...

ثالثا : تجنب استخدام كلمات مثل "دائما وأبدا "وخاصة عندما يصاحبها كلمة "أنت" المحملة بنبرة اتهام . لذا يستحسن استخدام كلمات بديلة مثل "أحيانا " .... و "يمكن" بدل من:" يجب" . إن هذه الكلمات تجعل الطرف الآخر يشعر بأنك لست متحيزا لآرائك فيجعله يتقبل نقدك .... واحذر أن تكون متحيزا لآرائك لأنك ممكن أن تكون مخطأ .

العلاقة الجدلية بين البناء والنقد:

في حياتنا العامة والخاصة عدد كبير من الجدليات، حيث يكون الشيء في وجوده أو استقامته أو بواره متوقفًا على وجود شيء آخر. ويتناوب الشيئان على الوظيفة نفسها، كتلك العلاقة التي نلمسها بين المرض والفقر، إذ يهيء الفقر صاحبه للتعرض للمرض، كما أن المرض من جهته يسبّب للفقير المزيد من الفقر وهكذا.
هذا يعني أن خصائص كثير من الأشياء لا تستمد من ذاتها، وإنما من العلاقات التي تربطها بغيرها. ومن المؤسف أن اكتشاف العلاقات الجدلية على الرغم من تأثيرها الكبير، لا يلقى من معظم الناس الاهتمام، وبالتالي فإن معرفتنا بها تتسم بالقصور والسطحية!

بين البناء والنقد علاقة جدلية، عظيمة الأهمية إلى درجة أن كلاً منهما يتغذى على الآخر بصورة جوهرية. ولا نستطيع أن نعرف مدى حاجة كل منهما إلى الآخر إلا إذا قطعنا الحبل السريري الذي يربط بينهما. ولعلي أبسط القول في هذه المسألة المهمة عبر المفردات الآتية:
1- إن القرآن الكريم نزل منجمًا في مدة طويلة نسبيًا، هي مدة حياة النبي –صلى الله عليه وسلم- بين البعثة والوفاة. ويلاحظ الناظر دون عناء أن معظم ما ينزل من الذكر كان يرتبط بوجه من الوجوه بحركة المجتمع الإسلامي. إنه يوجه المسيرة، ويوضح ملامح الطريق، كما أنه يذكّر السائرين بالمقاصد النهائية لسيرهم. وحين يقع خطأ بسبب اجتهاد أو ضعف بشري، فإن القرآن الكريم ينبه المسلمين إلى ذلك الخطأ بقطع النظر عن مقام المنتقد ، وعن نوع موضوع النقد ، هل هو عام أو هو خاص بشخص من الأشخاص، على نحو ما نجده في قول سبحانه: "ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم" [سورة الأنفال: 67-68]، وقوله: "عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين" [سورة التوبة: 43]. وقوله: "وإذ تقول للذي أنعم الله عليه، وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه" [سورة الأحزاب: 37]، وفي السنة النبوية الكثير الكثير من النصوص التي تنتقد بعض تصرفات الصحابة، وتدلهم على ما هو أفضل وأصوب. وقد وعى المسلمون المغزى العميق لذلك، ومارسوا النقد بصيغ عديدة ، ولطالما كان النقد البنّاء عامل تحرير للأمة من كثير من الزيغ والخطأ على ما هو معروف ومشهور.

2- لو تساءلنا: مالذي يعطي المشروعية للنقد، ويجعل منه شيئًا لا غنى عنه لاستقامة الحياة، لوجدنا أن ما يمكن التحدث عنه في هذا الشأن كثير، لعل منه:
أ – حين نخطط لأمر من الأمور، أو نحاول اكتشاف ميزة عمل من الأعمال، فإن من الواضح أننا لا نستطيع الإحاطة بالاعتبارات التي تجعل قراراتنا صائبة على نحو قاطع. هناك دائمًا حقائق غائبة وأجزاء مطموسة، ومعلومات غير متوفرة، ولهذا فإن علينا أن نبني خططنا ونظمنا ومناهجنا على أنها أشياء قابلة للمراجعة، ومحتاجة للتصحيح والتطوير ، ولن نكون موضوعيين إذا فعلنا غير ذلك. إن الطبيب حين لا يتأكد من تشخيص مرض من الأمراض، يصف لمريضه علاجًا مؤقتًا إلى أن تخرج نتائج الصور والتحاليل، فيصف العلاج النهائي؛ لأن خبرته الطبية دلته على السلوك العلاجي الملائم، إن ما هو مطلوب من المعرفة لاتخاذ القرار الصحيح هو دائمًا أكثر من المتوفر، ولهذا فإننا ونحن نخطط، وننظِّر نتحرك في منطقة هشة، ونستند إلى معطيات غير كافية. إن علينا أن نعتقد أننا نقوم بعمل اجتهادي، قد يتبين أنه صواب، وقد يتبين أنه خطأ . وإن كثيرًا من الذين ينفرون من النقد، لا ينظرون إلى هذا المعنى، ولا يهتمون به، ولو أنهم أدركوه بعمق لرحبوا بالنقد بوصفه كرة أخرى على صعيد الاستدراك على قصور سابق .
ب– هناك دائمًا مفارقة بين النظرية والتطبيق، فنحن حين ننظر، ونخطط، نقوم بذلك في حالة من الطلاقة التامة ، وكما يقولون: إن الأحلام لا تكلّف شيئًا ، لكن حين نأتي للتنفيذ، يتجلى لدينا القصور البشري بأوضح صوره، فنحن نتحرك داخل الكثير من القيود الزمانية والمكانية. وكما أن أعمارنا محدودة، كذلك إمكاناتنا وقدراتنا وعلاقاتنا أيضًا محدودة، مما يجعل وجود فجوة بين ما نريده وبين ما نفعله أو نحصل عليه أمرًا متوقعًا. في بعض الأحيان لا ننفذ ما خططنا له ليس بسبب العجز، ولكن بسبب تغير الرأي، أو بسبب الاختلاف بين أعضاء فريق العمل، أو لأي سبب آخر... وهذا كله يجعل النقد أمرًا سائغًا، بل مطلوبًا.
جـ - في بعض الأحيان تأتي مشروعية النقد من الأخطاء التي تقع أثناء التطبيق أو بسبب مغايرة ظروف الاستمرار لظروف النشأة. وإذا تأملت في أوضاع الأمة وجدت أن كثيرًا مما يحتاج إلى إصلاح وتصحيح يعود إلى هذين السببين، فالتقصير في الواجبات والوقوع في المنكرات من أكثر العوامل تأثيرًا في تخلف الأمة وتأزم أوضاعها. وهما يعودان إلى انحراف وقصور في الممارسة. كما أن تجدد معطيات الحياة المعاصرة لتكون شديدة البعد عن حياة أسلافنا ، أوقعنا في أزمات فكرية كثيرة ، بسبب عدم توفر ما يكفي من الاجتهاد للتعامل معها. وهذا من جهته يثير الكثير من الحيرة والكثير من النقد.



النقد البناء..لا للتشهير والتجريح:

قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ .

تتحدث الآية الكريمة عن صفات المؤمنين وخصائصهم، وتذكر أن من صفات المؤمنين وخصائصهم: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ﴾ فالمؤمن ليس مَلَكاً وإنما بشر، وإذا كان الملك خالياً من دوافع الشهوة ومن بواعث الخطأ والانحراف فإن في طبيعة البشر ذلك، فبالتالي فإن الخطأ وارد في حياته إلا من عصمه الله، والعصمة هي حالة استثنائية اختص الله بها من يشاء لتبليغ رسالته، ولكي يكونوا قدوات وهداة لعباده، أما سائر الناس فهم بشر.
أسباب الخطأ:

والخطأ له عدة أسباب منها:

الجهل: فيتخذ الإنسان قرارا خاطئا بسبب جهله، فالجهل سبب من أسباب الخطأ في حياة الإنسان.

والسبب الثاني: الهوى والرغبة والشهوة في نفس الإنسان: فهذه عوامل تضعف إرادته أمامها ويقل صموده فينجرف نحو الشهوة والخطأ والانحراف بسبب خضوعه لأهوائه، وهذا وارد على الإنسان فقد يحصل في بعض اللحظات أن تتغلب شهوته على إرادته.

السبب الثالث: الاشتباه والغفلة: قد يعتمد الإنسان على مقدمات خاطئة فتقوده إلى الخطأ، أو أن أناساً ينقلون له معلومة خاطئة فيرتب الأثر على ذلك الخبر فيقوده ذلك إلى الخطأ. فليست المسألة مسألة جهل ومسألة هوى وإنما غفلة واشتباه، فهو لم يُرد الخطأ ولم يكن جاهلا من حيث المعرفة والرأي ولكن غفل في التطبيق، وهذا يحدث عند كثير من الناس. فمثلاً عالم من العلماء يعتمد على أناس من حاشيته وتلامذته وعلى شهادتهم، فقد يتخذ قراراً خاطئاً.

والمؤمن لا يختلف عن غير المؤمن في إمكانية الوقوع في الخطأ، ولكن المؤمن أقل من غيره عرضة للخطر بسبب المنهجية السليمة التي يمشي عليها في حياته، فتكون عنده حصانة عن الخطأ.

والفارق بين المؤمن وغيره هو في التعامل مع الخطأ، فهو يقع في الخطأ ولكن لا يصر عليه وإنما يتراجع عنه..قال تعالى:﴿إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً﴾ ويقصد بها ما اشتد قبحه من الذنوب، ﴿أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ﴾ أي ارتكبوا ذنوباً صغيرة. والفاحشة الاعتداء على حقوق الآخرين، فهم يظلمون أنفسهم فيما يرتبط بعلاقتهم مع الله، بتقصيرهم في واجباتهم تجاه الله.

ففي الآية الكريمة إشارة إلى أن المؤمن إذا اكتشف الخطأ لا يصر عليه.
كيف يكتشف الإنسان الخطأ؟

في بعض الأحيان يكون الإنسان سائراً في غيه ويستمر على خطئه، وهناك أساليب تجعله يكتشف الخطأ في سلوكه وقراراته:

أولا: المحاسبة والنقد الذاتي:
المؤمن ينقد ذاته ويحاسب لنفسه، وتشير الآية إلى هذا ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ﴾ أي عرضوا أعمالهم على شرع الله وتصرفاتهم على أمر الله فيكتشفون أين الخطأ والصواب.

والمحاسبة مسألة مهمة.. بأن يفكر الإنسان في أعماله وتصرفاته.

وهناك أحاديث وروايات كثيرة تحث على هذا الأمر: «ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم فإن عمل حسنا حمد الله واستزاده، وإن عمل سوءاً استغفر الله»] .

وعن أمير المؤمنين : «حق على المسلم أن تكون له ساعة لا يشغله عنها شاغل فيحاسب نفسه مما اكتسب في ليله ونهاره».

ويقول رسول الله : «يا أبا ذر حاسب نفسك قبل أن تحاسب يكون أهون لحسابك غداً» .

وفي حديث آخر: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا» .

فالإنسان لابد أن يحاسب نفسه ويراجع حياته ويتأمل في سلوكه سواء أكان في الأمور الدينية أو الأمور الأخرى، حتى يعرف نقاط الضعف والقوة، وليستطيع أن يتجاوز نقاط الضعف، ويركز نقاط القوة، وهذه المسألة تمكنه من اكتشاف الخطأ وتجاوزه.

وهناك أيضاً مجتمعات تنقد نفسها، ومجتمعات أخرى تنقد الآخرين، وأغلب مجتمعاتنا الإسلامية مبتلاة بهذه الحالة، وهو ملحوظ أيضاً بين المذاهب، فإذا كان عالم ضمن مذهب معين فإنه يهتم بالبحث في نواقص المذهب الآخر. فهذه حالة عامة في المجتمعات المتخلفة.. ينتبهون إلى عيوب غيرهم.

وجاءت الروايات تأمر الإنسان المؤمن بأن يشتغل بعيبه عن عيب غيره. فيجب أن ننظر نحن في حياتنا وطريقة معاملتنا مع الآخرين.

والمجتمعات المتقدمة يمارسون النقد الذاتي لأنفسهم بجرأة ويعترفون بمكان الخطأ. مثلاً الصهاينة بين فترة وأخرى يعدون تقارير عن أنفسهم ويحاولون أن ينقدون أنفسهم، وهذا ينفعهم لأنه يبين لهم نقاط الضعف فيتجاوزونها.

إذن فالنقد الذاتي في الفرد والمجتمع يحتاج إلى جرأة وشجاعة وإخلاص للحقيقة، والإنسان الذي ليس عنده إخلاص للحقيقة فهو يكابر حتى لو بان له الخطأ واضحاً كوضوح الشمس.

ثانياً: قبول النقد من الآخرين:
فالإنسان لا يرى أخطاء نفسه، فمثلاً عندما يريد الإنسان أن يرتدي لباسه فهو لا يرى نفسه بل يحضر له مرآة لتبرز له إذا كان هناك خلل وخطأ فيرتاح من دور هذه المرآة. ولو جاء إنسان ونظر إلى وجهه ورأى فيه شيئا لا يحبه فهو يتضايق منها فيأخذها ويكسرها مع أن المفروض أن يرتاح لأنها كشفت له وجود شيء يجب إزالته.

فالآخرون بالنسبة لنا يمكن أن يقوموا بهذا الدور (دور المرآة). وقد ورد في الحديث: «المؤمن مرآة لأخيه المؤمن» أي يكتشف من خلاله عيوبه ونقاط ضعفه، فينبغي أن تكون نفسيته مهيأة لقبول النقد من الآخرين.

ويقول الإمام الصادق : «لا يزال الإنسان بخير ما كان له (توفيق من الله عز وجل، وواعظ من نفسه، وقبول ممن ينصحه» فإذا كانت هذه الأمور متواجدة في شخص فهو بخير، أما إذا كان لا يقبل النصيحة كما يقول القرآن الكريم: ﴿وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ﴾ ، ففي بعض الحالات لا يرتاح الإنسان إذا نقده الآخرون فهو يريد دائماً أن يمدحوه، أما إذا بينوا له عيوبه وأخطاءه فهو يعتبر ذلك خدشاً لكبريائه وجرحاً لهيبته وشخصيته، وهذا هو مكمن الخطأ والتخلف.

نحن تربينا في مجتمعاتنا على أن تكون نفوسنا شفافة لا تتحمل النقد ونعتبره إهانة، وهذا خطأ فهو تقويم وتصحيح وهداية وإرشاد، لأن الإنسان إما أنه لا يبصر الخطأ، أو لأن هناك عوامل وأسباباً تحول دون معرفته به فنصيحة الآخرين تساعده على تجاوز هذه الحالة.

روي عن الإمام الصادق : «رحم الله من أهدى لي عيوبي» فهو يريد أن ينبهنا إلى أهمية تقبل النصح والنقد، وأن لا نغتر بأنفسنا ونرى أنفسنا معصومين من الخطأ، فحتى من هو في موقع الخلافة والحكم يعترف بالخطأ فموقفه لا يجعله فوق النقد.

يقول أمير المؤمنين : «ليس أحداً يتوق أن يقال له اتق الله».
حقيقة النقد:

ولابد هنا أن نعرف حقيقة النقد فهناك فرق بين النقد البناء والانتقاد أي النقد الهدام:

النقد البناء (النصيحة الصادقة): هي التي تستهدف مصلحة الموجه إليه بقصد تصحيح خطئه سواء في الأمور العامة أو المصلحة العامة وتضع البديل المناسب.

التجريح (التشهير): ولا يقصد به تصليح وضع الآخرين وإنما استغلال ضعف الآخرين للتشهير بهم وإسقاطهم في المجتمع.

ويوجد في الجاهلية أدب مختص في التجريح وهو شعر هجاء، ومع مجيء الإسلام حاول أن يشذب هذه الحالة من التفاخر والهجاء المتبادل، وهو مأخوذ على العرب حتى الآن، وهناك كتاب ناقش هذه الحالة اسمه (العرب وظاهرة التجريح) لماذا هي تتمركز عند العرب أكثر من غيرهم؟

والإسلام حاول تهذيب هذه الحالة:

قال تعالى: ﴿لاَ يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ﴾ .

وعن الإمام جعفر الصادق يقول: «من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروته ليسقطه من أعين الناس أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان» .

وفي حديث قدسي عن الله عز وجل: (من أهان لي ولياً فقد أرصد لمحاربتي) .

لذلك لابد أن يفرق الإنسان المؤمن بين الأمرين وكذلك المجتمع، فالنقد مطلوب أما التشهير والتجريح فهو ممنوع شرعاً، «من عيّر مؤمناً أو سبه أو آذاه باء بإثمه يوم القيامة».

والمجتمعات تختلف، فبعضها تقسوا على بعضها ويسود بينها التحاسد، وبعضها يرفع بعضها بعضا، فالمجتمعات التي تساعد بعضها البعض تنمو فيها الطاقات والقدرات. ومن المجتمعات التي تشجع بعضها البعض اليهود فعندما يذهب لاجئ منهم إلى بلد آخر فإنهم يستقبلونه ويساندونه حتى يصبح من أكبر رجال البلد، بينما المسلمون عندما يذهب أحدهم إلى تلك المناطق فإنه يبقى على وضعه ولا يتغير حاله.

يقال إن الإمام أحمد بن حنبل سأل مرة حاتماً الأصم وكان من الحكماء، قال له: كيف السلامة من الناس؟ قال له: أن تبذل لهم مالك، ولا تأخذ شيئاً من أموالهم، وأن تتحمل أذاهم، ولا تؤذي أحداً منهم، وأن تقضي مصالحهم وحوائجهم، ولا تطلب منهم حاجة. قال له: هذا أمر صعب. قال: وقد لا تسلم منهم.

ففي بعض الأحيان تكون هناك حالة قساوة بين الناس. وأئمتنا صلوات الله وسلامه عليهم كانوا رحماء حتى مع أعدائهم، مثل أمير المؤمنين عليهم السلام أيام معركة صفين سمع بعض أصحابه يسبون أهل الشام، فقال لهم: «إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم كان أصوب» .

ومع قسوة بني أمية مع السيدة زينب وزين العابدين فبالرغم مما حدث معهم فليست هناك كلمة نابية قالوها لهؤلاء الأعداء لإثبات التحدي، وإنما كانت الغاية إثبات عزة الإيمان وكسر الهيبة الفاسدة «وأفضل الشهداء عمي حمزة ومن قام إماما» فدائماً الكلام لين ورقيق ليس ذلك خوفاً ولا جبناً وإنما.. كل إناء بالذي فيه ينضح.

وهناك موقف مع الإمام زين العابدين وذلك حينما وقف مع رجل من الأعداء وقال: الحمد لله الذي فضحكم ونصر أمير المؤمنين يزيد عليكم، فالتفت إليه وقال له: «أقرأت القرآن» قال: نعم، قال:« أقرأت قوله تعالى: ﴿ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾» ، قال: نعم فقال: «نحن القربى».

ويقول الكلمة نفسها عبيد الله أمام زينب: الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أحدوثتكم، فتقول له: الحمد لله الذي كرمنا بالشهادة وشرفنا بالنبوة إنما يفتضح الفاجر الكافر وهو غيرنا وهو أنت يا بن مرجانة .

المراجع:

سورة الحجرات، الآية 11.
بحار الأنوار، ج72، ص216، الحديث رقم 16
بحار الأنوار، ج64، ص65، الحديث رقم 14.
بحار الأنوار، ج32، ص561، الحديث رقم 466.
سورة الشورى، الآية 23.
راجع: بحار الأنوار، ج45، ص117، الحديث رقم 1.




السموووووووووووووحة

:(43): :(43): :(43): :(43): :(43):

ألمحبوبه
20-02-2010, 05:04 PM
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

يعطيج ربي الف عافيه يالغلا ع البحث الرائع .. لاهنتِ حبيبتي
وان شاءالله ف ميزان حسناتج



تحياتي : ابلة نورة

بنانو
20-02-2010, 09:25 PM
ثانكيو مـــــــــــــــــــــــاي girle

بدويه طر طريشن
20-02-2010, 09:46 PM
مشكوووره يعطيج العووافي

ريم الامس
02-03-2010, 08:19 PM
مشكوؤوره واااااااااااااايد..

تسلمين ماقصرتي..

خـــافي الشـــوق
05-03-2010, 06:19 PM
الله يعطيييج العافيه

hx_x
11-03-2010, 06:10 PM
ثاااانكيوووووو

عذب الخبال
18-02-2012, 07:50 PM
أخوي ذكرة كتاب بحار الأنوار هو كتاب للشيعي كافر إثنا عشري

عبودالمصعبي
22-02-2012, 08:49 PM
يعطيج الف الف عاافيه