المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البلاء تمحيص للعبودية الحقة



N O O R - Q A N S O
16-12-2009, 08:51 AM
البلاء تمحيص للعبودية الحقة

16 - 12 - 2009



http://www.albayan.ae/servlet/Satellite?blobcol=urllowres&blobheader=image%2Fjpeg&blobkey=id&blobnocache=false&blobtable=CImage&blobwhere=1250779996151&ssbinary=true

قال الشيخ: إن من فقه الابتلاء في التصور الإسلامي، وحسب منطوق الوحي من قرآن عظيم وسنة نبوية مطهرة، أنه ما من ألم أو مصاب أو هزيمة أو عدوان يقع على المسلمين، إلا وفيه حكمة بليغة أرادها الله عز وجل، وما على المؤمن اليقظ إلا أن يحسن قراءتها وفهمها عن الله تعالى. فالابتلاء يذهب بالعجب والكبر ويحدث الذل والانكسار والتواضع لله تعالى، وفي هذا خير كثير يطغى على ألم البلاء لمن تجرد عن منافعه القريبة ورؤاه القاصرة، وكم من بلاء جر صاحبه إلى الجنة وقد قيل يوما: «عجبت لقوم يساقون إلى الجنة بالسلاسل».

إن العبودية لله وانعدامها لغير الله كثيرا «ما تكون كامنة في الأعماق يغشيها كدورات الدنيا وانشغالاتها وفي كثير من الحالات لا ينجح غير البلاء في استخراج هذه العبودية حيث ينتبه وربما للمرة الأولى أن المعطي والرازق والكافي والشافي والناصر والقاهر هو الله وحده وان الناس لا يملكون من هذه الأمور شيئا». ثم إن من حكم الابتلاء فردا «وجماعة» ان دوام النعم والارتقاء من حال إلى حال قوة «أو ثروة» أو انجازا، كثيرا ما يورث البطر والأشر والنكران والجحود، وهذا في الكثرة والغلبة ولكل كثرة استثناء.

من هنا تأتي الابتلاءات لتذكر الإنسان بضعفه وافتقاره إلى مولاه عز وجل، فيعود إلى تقدير النعم حق قدرها، وكم من ذي نعم كثيرة لا يحلم أكثر الناس بنسب ضئيلة منها وهو فاقد الإحساس بها حتى كأنها غير موجودة.

ثم ان من فقه البلاء انه ما من عدوان أو هجوم أو إساءة توجه إلى الإسلام والمسلمين عبر التاريخ والى يومنا هذا إلا وفتحت به أبواب خير ووحدة وقوة لا يعلمها إلا الله.

فهم يكيدون كيدا والله يكيد كيدا، وهم يوجهون سهامهم إلى الإسلام والمسلمين، فإذا بالأمر ينقلب عليهم شعورا بالهوية والوحدة عند المسلمين وتمسكا من هؤلاء بدينهم والتزامهم به وفرصة تتاح لكل غير مسلم ليتعرف على الإسلام وليدخل الناس في دين الله أفواجا.

ثم إن البلاء يمحص الناس حول الفرد وحول الجماعة الإسلامية أو الأمة الإسلامية، فعند الانتكاس يظهر المخلص والوفي والصادق والمنافق، والمؤمن حقيقة والمتخفي وراء إيمان مزيف، وفي هذا نفع كبير قد لا يقدر مهما عظم البلاء، وقد تجدي قراءة تاريخ الغزوات والسرايا في حياة النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم ثم تاريخ الإسلام إلى يومنا هذا في فهم قيمة البلاء في تمحيص الناس وكشفهم على حقائقهم.

إن القوي دائما والصحيح دائما والثري دائما لا يجد حوله إلا كل من يظهر المحبة والوفاق، من هنا كان من حكم الابتلاء أن يكتشف المرء من حوله، أو تكتشف الأمة من في داخل صفوفها على حقائقهم وحقائق ما في بواطنهم.

ثم إن الحق سبحانه وتعالى كما أراد من عباده الشكر أراد منهم الصبر، فكمال العبودية لا يكون إلا بالرضى والتسليم والوقوف على باب الله والتضرع له والتململ على أعتابه، فالقلب لا يكتسب الصحة الإيمانية الحقيقية إلا بتداول الصحة والمرض والقوة والضعف والغنى والفقر والظهور والانكسار كما لا تستقيم صحة الأبدان وتقوى مناعتها إلا بالتعرض للحر والبرد والجراثيم وأضدادها، فإيمان لا يدوم إلا مع الرخاء والمسرات ليس إيمانا حقيقيا ولا هو مراد الحق سبحانه من عباده، إنما الإيمان الحق هو الإيمان الذي يكون حاضرا في السراء والضراء مع الحمد والشكر والصبر والانكسار وهذه هي العبودية الحقة.


ماهر سقا أميني


( جريدة البيان )