المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تقرير عن القصة القصيرة



adam34
05-12-2009, 12:03 AM
القصة القصيرة:
يخلط بعض الكتاب بين القصة والقصة القصيرة، وهذا الخلط ناجم في الغالب من الدلالة اللفظية لكلا المصطلحين، وحقيقة الأمر أن القصة بمعناها المطلق تشمل كل الألوان السردية والحكائية وهي ذات جذور في عمق تاريخ الأدب العربي، ومنها القصص الـواردة في القرآن الكريم مثل قصص الأنبياء والأقوام والأمم، وكذلك الأساطير الشعبية والحكايات المستمدة من التراث، وهي تشكل رصيداً ضخماً من الإبداع المرتبط بتاريخ الأمة عبر الزمن، لكن القصة القصيرة بمفهومها الحديث فن وافد إلى الأدب العربي المعاصر من الغرب والشرق.

يعتبر فن القصة القصيرة من الفنون الأدبية الحديثة، التي عرفها الأدب العربي في هذا العصر، وإن كان هناك من يرجع جذورها الأولى إلى بعض الفنون الأدبية القديمة، لأنها تشترك معها في بعض الملامح، لكن حقيقة الأمر أن القصة القصيرة بشروطها الفنية المعروفة هي فن جديد، ليس في الأدب العربي فقط، ولكن حتى في الآداب الغربية الأخرى، إذ لم يظهر هذا الفن إلا منذ حوالي قرن تقريباً وفي هذا المعنى يقول الدكتور عزالدين إسماعيل : ( وأما القصة القصيرة فهي حديثة العهد في الظهور، وربما أصبحت في القرن العشرين أكثر الأنواع الأدبية رواجاً، وقد ساعد على ذلك طبيعتها والعوامل الخارجية.( *

وهناك شـروط للقصـة القصيرة هي المقدمة والعقدة والحل أو لحظة التنوير، كما أن للقصة عناصر تقليدية أيضاً هي الشخصية والحدث والبيئة ـ الزمان والمكان وهذه الشروط يجب أن تتوافر في القصة القصيرة.

ومن عناصر القصة القصيرة....

أولا- الشخصية:
كنا إلى وقت قريب نقرأ الشخصية القصصية فنجدها صدى لكاتبها، إذ أن ثمة علاقة تشبه التوحد بين المبدع وشخصياته القصصية، وهذا التوحد وإن كان يلقي الضوء على المبدع وفكره، إلا أنه يحول بين الشخصية وممارسة تصرفاتها الطبيعية، وفق الدوافع والأجواء التي وجدت فيها، وعندما يطـل المبدع بفكره من خلال شخصياته القصصية، فإن هـذا يكرس النمطية التي تتكرر بشكل أو بآخر، وتلقي بظلالها على ما يأتي بعدها.
لكننا مع تقدم التقنية القصصية، نتيجة فسـح المجال أمام التجارب الجديدة.. أصبحنا نقرأ نماذج متعددة من تلك الشخصيات، لا تظهر فيها سيطرة الكاتب وتحكمه في مصيرها، وأصبح سلوكها مرهون الخطوات بالظروف والعوامل والأجواء التي وجدت بها، دون الشعور بأن الكاتب هو المتصرف بشؤونها، والمتحكم في تصرفاتها والمقرر لمصائرها، وهذا لا يلغي العلاقة بين المبدع والنص، ولكنه يجعل هذه العلاقة متوازنة ومحكومة بضوابط خفية يعرفها المدركون للإشكاليات المتعلقة بالإبداع أو التلقي.
الإبداع والنص
وحين الحديث عن العلاقة بين المبدع والنص علينا ألا نتجاهل أهمية التجارب الذاتية في إثراء العمل الإبداعي، وهذه التجـارب لا تبرر للمبدع فرض رأيه وفكره فيما يتعارض مع قدرة شخصيته القصصية على استيعاب وتمثل هذا الرأي أو الفكر، لأن العديد من العوامـل هي التي تحـدد هذه القـدرة على الاستيعاب والتمثل، وبغياب هذه العوامل تصبح تلك القدرة مفقودة، والتناقض واضحاً بين الشخصية وسلوكها المحتمل والمتوقع. إن إدراك توازن العلاقة بني المبدع والنص يقودنا إلى شيء من التسليم بأن هذه العلاقة طبيعية وغير متنافرة، إذا تقيدت بتلك الضوابط الخفية التي أشرنا إليها آنفاً. أما القول بانعدام العلاقة بين المبدع والنص، كما يزعم المنادون بموت المؤلف، فإنه قول يتجاهل مجمل المعطيات التي تحيل النص من مجرد فكرة هلامية، إلى كائن يتنامى حتى يبلغ أوج نضجه. وهكذا يكون الحال بالنسبة للجزئيات التي يتكـون منها النص في نهاية الأمر.
شخصيات مختلفة
عند الحديث عن الشخصية القصصية سواء في الرواية أو القصة القصيرة، يتبادر إلى الأذهان أن المعنى هو الإنسان، وإن لواء البطولة في القصة لا يعقد إلا لهذا الإنسان، مع أن الأعمال الروائية والقصصية المشهورة تزخر بأبطال حقيقيين يتحكمون في مسار الأحداث.

ونحن أمام عمل إبداعي مثل ( العجوز والبحر )* لهنجواي ننسب البطولة للعجوز، لكن هناك بطولة لشخصيات أخرى أشد ضراوة في مقاومة الظروف وتحدي الصعاب.. وأشد إصراراً على تحقيق هزيمة ساحقة بالعجوز الذي لم ينهزم لأنه يقول في النهاية : إن الإنسان قد يتحطم ولكنه لا ينهزم. فلدينا البحر الذي يشارك العجوز هذه البطولة، وكذلك سمك القرش الذي يشاركه أيضاً هذه البطولة، فنحن في هذا العمل الإبداعي أمام ثلاث شخصيات تتساوى في الأهمية : سانتياغو العجوز، والبحر الذي يقود الأحداث إلى المجهول، وأسماك القرش التي تصر على إلحاق الهزيمة بالعجوز.

فالشخصية الرئيسية أو البطل في القصة أو الرواية لا يشترط أن يكون إنساناً، قد يكون الزمان، أو المكان، أو الطبيعة، أو أحد المخلوقات التي يستصغرها الإنسان، فإذا هي تقوم بأعمال خارقة تبعث على الحيرة والتأمل في ملكوت الخالق، ونحن عندما نتحدث عن المكان ـ مثلاً ـ كبطل لقصة ما، فإننا لا نتحدث عن فلسفة الزمـن، ولا عن الزمن بمعناه الميكانيكي، بل باعتباره الإطار الذي يمكن أن يستوعب مجموعة من الأحداث والشخصيات.. يتحكم في توجيهها وفق معايير معينة ليصبح هو البطل الحقيقي في النهاية، وكذلك عندما نتحدث عن المكان ـ مثلا ـ فنحن لا نتحدث عن ماهية المكان، ولا عن المكان بمعناه الهندسي، بل باعتباره بعداً مادياً للواقع، أي الحيز الذي تجرى فيه ـ لا عليه ـ الأحداث، والمساحة التي تتحرك فيها ـ لا عليها ـ الشخصيات. بمعنى أن تأثيره يصل إلى حد التحكم في مسار تلك الأحداث والشخصيات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المقصود بالزمن هنا لا علاقة له بالتاريخ، حتى لا يلتبس علينا الأمر، ونظن أن كل رواية أو قصة تاريخية.. بطلها الزمن.
كما أن المقصود بالمكان هنا لا علاقة له بالأيديولوجيا، حتى لا يلتبس علينا الأمر، ونظن أن كل رواية أو قصة ذات أيديولوجيا محددة.. بطلها المكان.. ويمكن اعتبار بطل قصة ( في ضوء القمر ) لجي دي موباسـان هو الزمن. مما قاله واصفاً القصة القصيرة "إن هناك لحظات عابرة منفصلة في الحياة، لا يصلح لها إلا القصة القصيرة لأنها عندما تصور حدثًا معينًا لا يهتم الكاتب بما قبله أو بما بعده".*

ثانيا- الحدث :
لم تعد القصة القصيرة تحتمل حدثاً كبيراً يحتل مساحة زمانية أو مكانية كبيرة، بل أصبحت تكتفي بجزء من الحدث يستقطب حوله مجموعة مـن العناصر التي تتآلف لتكون في النهاية ما نسميه بالقصة القصيرة. وهذا الحدث الجزئي، وإن كان فيه إخبار عن شيء بذاته، لكن هذا الإخبار ينحصر في زاوية معينة، تاركاً المجال لعناصر القصة الأخرى لتتكاتف وتتآزر، فتحقق النجاح للقصة القصيرة، وهذا الحدث الجزئي أو الكلي قد يكون عادياً إذا جرد من العناصر الفنية المكونة للقصة القصيرة، لكنه يكتسب هذه الصفة بمجرد وضعه في دائرة الضوء، ليتشكل منه عمل فني يتنامى حتى يبلغ مرحلة النضج، بشكل متكافئ بين جميع تلك العناصر الفنية، وإن طغى أحد هذه العناصر على غيره أحدث خللا في البناء الفني للقصة، وشوه الهندسة المعمارية لهيكلها العام.
واقع وخيال
قد يكون الحدث من الواقع، وقد يكون من الخيال، لكن هذا الحدث في النهاية يرتهن ـ وبطريقة غير مباشرة ـ بنظرة المبدع الذي حاول استقاءه من الواقع، أو استحضاره من الخيال، معتمداً في ذلك على روافـد ثقافته العامة، بما فيها من مخزون تراثي وتربوي وبيئي، وهذه العوامـل لا تكوِّن إبداعـه فقط، ولكنها أيضاً تكون مجمل شخصيته كإنسان. إن تأثيرها واضـح على أعماله الإبداعية بجميع عناصرها ومنها الحدث. فالمبدع هو الذي يملك حق إطلاق سراح هذا الحدث، أي من مجرد فكرة.. إلى بداية لواقع معاش ولكن على الورق.
تأثير مختلف
والحدث هي وظيفة يقوم بها فاعل معلوم أو مجهول ـ كما يريد المبدع ـ لكن هذه الوظيفة لا يتم أداؤها دوماً بشكل يرضي الجميع، لذلك يكون التأثير مختلفاً من حدث لآخر، أو ـ بمعنى أكثر دقة ـ من مبدع لآخر، وهذا الاختلاف هو التنوع الذي تفرضه الحياة بكل ما فيها من خير أو شر.. من تناقض وانسجام بين الأشياء.. من سلب وإيجاب في النتائج، من هنا يأتي هذا التنوع في المواد التي يبنى منها الحدث، ابتداء من مادته الأولية التي يتشكل منها، وانتهاء بتوحيد جميع مواده في شكله النهائي وإن كان مجرد جزئي، مع ملاحظة التفريق بين الحدث والموضوع في القصة، فالحدث ليس سوى مجرد عنصر من عناصر القصة، بينما الموضوع هو حصيلة مجموعة هذه العناصر بكاملها. وهو ـ أي الموضوع ـ الذي يمكن أن يوصلنا إلى الهدف، وإذا كانت استنتاجاتنا صحيحة، فإن المبدع ليس هو الذي يدلنا مباشرة على هذا الهدف، بل نحن الذين نستخلصه بقراءتنا المتعددة للنص، وهي متعددة بتعدد المتلقين. من هنا قيل إن القراءة هي كتابة جديدة للنص، ولكن من وجهة نظر المتلقي ونحن نتناول الحدث كعنصر من عناصر البناء الفني للقصة القصيرة، علينا أن نرصد وعينا بأهمية هذا العنصر، وعلى ضوء هذا الوعي يمكننا أن نحدد أهمية الحدث بالنسبة للعمل الإبداعي ـ القصة ـ ما دمنا نسـاهم في إعادة كتابة النص مجدداً.

ثالثا- البيئة:
ان الحدث له بداية ووسط ونهاية، لكن هذا الحدث لا يتحقق في الفراغ، إذ لابد له من بيئة مناسبة تساعده على النمو، وهذه البيئة تتكون من الزمان والمكان في آن واحد، مع ملاحظة أن حجم القصة القصيرة يستوجب بالضرورة الـمحافظة على وحدة الزمان والمكان، حتى وإن تمـدد الزمـان أو المكان فإن ذلك يتحقق عن طريق )المنولوج الداخلي ) دون أن تتمرد القصة القصيرة على زمانها أو مكانها، فهذا التمرد يودي بها إلى نوع من الترهل غير المستساغ، بل والمرفوض حسب ما يعنيه تعريف القصة القصيرة.
والبيئة هي التي تحتضن الشخصيات والحدث، وتعطي المعنى للقصـة، فلا الشخصية بمفردها ولا الحدث بمفرده يمكن أن يعطي المعنى للقصة، فكلاهما بحاجة إلى ذلك الوعاء الذي يحتضنها وهذا الوعاء هو البيئة ـ زمانا ومكانا ـ وهنا تتحقق الوحدة العضوية عندما تكتمل هذه العناصر التي لا يمكن تجزئتها لأنها كونت وحدة مستقلة لها كيان ذاتي يؤدي إلى معنى دون سواه.
فالبيئة بهذا المعنى هي نقطة الارتكاز التي تتمحور حولها كـل العناصر لتعطي القارئ المعنى، وتصل به إلى (لحظة التنوير) عندما يتضح له الهدف الذي استطاع الوصول إليه، وعند المقارنة بين الرواية والقصة القصيرة نكتشف أهمية البيئة وذلك لأن الرواية تعتمد في تحقيق المعنى على التجميع، أما القصة القصيرة فتعتمد على التركيز، والرواية تصور النهر من المنبع إلى المصب، أما القصة القصيرة فتصور دوامة واحدة على سطح النهر، والرواية تعرض للشخص من نشأته إلى زواجه إلى مماته، وهي تروي وتفسر حوادث حياته من حب ومرض وصراع وفشل ونجاح، أما القصة القصيرة فتكتفي بقطـاع من هذه الحياة، بلمحة منها، بموقف معين أو لحظة معينة، تعني شيئاً معيناً، ولذلك فهي تسلط عليها الضوء، بحيث تنتهي بها نهاية تنير لنا هذه اللحظة وهذا لن يتحقق إلا في بيئة تتوفر فيها كل الظروف الملائمة والمناخ المناسب لتحقيق هذه الغاية.

بسمة أمل }~
05-12-2009, 01:38 PM
السلام عليكم ورحمة الله و بركاااته ..

جزاك الله خيرا على التقرير

جعله الله في ميزان حسناتك

ولكن عذار سوف يتم غلق الموضوع لتجنب الردود السطحية ..

شكرا ..