المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة القلب الجريح .. ج5



J1CHANCE
20-11-2009, 08:55 PM
ولم يكن هذا الشخص بغريب عن نبيل

كان شقيقه

نعم شقيقه الشيخ صلاح، الذي يشعر نحوه أيضا بالحب والمهابة والأجلال ، الى جوار مشاعره الأخوية ، والذي يشعر في مجلسه بالضآلة ، على الرغم من كونه طبيبا وجراحا شهيرا ، ويحسده على قوته وصلابته، اللتين تمتزجان بالرحمة والتسامح ...

ولقد تولاه الشيخ صالح برعايته وعنايته ، بعد وفاة أبيه ، وكان له بمثابة الأب ، وهو يحمل لمحات الرجولة منذ صباه، فلم يتخل أبدا عن صديق ، أو يحيد عن مبدأ، وعندما اخنار دراسة الشريعة وأصول الدين ، على الرغم من أن مجموعه ي}هله لدخول أية كلية يختارها ، لم يأبه لأعتراض أبيه وخاله بل كان له ما أراده.

هكذا كان، وسيظل شقيقه الشيخ صلاح ، رجلا قويا ذا مميزات خاصة تؤهله لأن يحمل رسالة وضعها نصب عينيه ، في صلابة ورجولة، يمنعانه من الحياد عن الطريق الذي رسمه لنفسه دائما..

وعندما انتهى الشيخ صلاح من ألقاء الدرس ، وانصرف مريدوه وهم يلقون عليه التحية بكل الأحترام والتقدير ،نهض اليه نبيل ، وهو يقول:

كيف حالك يا شيخ صلاح؟

أجابه صلاح في صوت يحما نبرة تأنيب:
وعليكم السلام ورحمته الله وبركاته .. اجلس يا نبيل

جلس نبيا الى جوار شقيقه ، وقد خامره ذلك المزيج من الأرتياح والضآلة، أمام رجل عرف كيف يجمع ما بين الرحمة والصلابة في حزم ، وسمعه يقول بنبرة عاتبة:

لم أعهدك مرتادا للمساجد / منذ أن قررت السفر الى لندن.. فماذا حدث؟
ذهبت لألقاك في منزلك ، فأخبرتني زوجتك أنك هنا

وأي شئ ذكرك بي اليوم ؟.. أنك هنا منذ أسبوعين ، لم أرك فيهما سوى مرة واحدة

شرد نبيل ببصره لحظات وهو يقول :

أحتاج الى مشورتك

ارتسم مزيج من الدهشة والأهتمام في عين الشيخ صلاح وهو يقول:

بشأن ماذا ؟

أتذكر غادة؟

غادة ؟! آه تلك الصغيرة جارتنا التي أردت أن تخطبها والتي سافرت بعد فشلك معها الى لندن

انهت مريضة.. مريضة بمرض قلبي شديد ، وحالتها متدهورة للغاية .. ولقد نقلوها الى نفس المستشفى ، الذي جئته لفحص حالات متشابهة وهي تطالبني بأجراء جراحة لأنقاذها من آلامها

سأله في حيرة:


وما الذي يمنعك ؟.. أليس هذا عملك ومجالك؟
أجابه في أسى :

مع حالتها السيئة لن تتجاوز نسبة النجاح خمسة في المائة ، على أحسن الفروض

صمت الشيخ صلاح برهة ، ثم سأله :
وماذا لو لم تنجز العملية؟
ستحيا ما تبقى من عمرها في خطر ، متجنبه أية أنفعالات
لن يختلف الحطر أذن في الحالتين

الى حد ما ، ولكنها لو اتبعت النظام والتعليمات بمنتهى الدقة..

كيف يمكن ضمان ذلك بالله عليك ؟.. انها بشر ، وهي عرضة للأنفعال في أي لحظة ، وخاصة مع كل هذا القدر من القيود ، ومع قلب يشعر بالحطر ، وبدنو النهاية في كل لحظة ..

وصمت برهة قبل أن يقول في حزم :
أما زلت تحبها؟

اطرق نبيل برأسه دون أن يجيب فاستطرد الشيخ صلاح :

لو أنك مازلت تحبها حقا ، فتوكل على الله ، وأجر لها العملية

هتف نبيل في هلع:

مستحيل !.. قلت لك أن نسية النجاح لا تتجاوز خمسة في المائة ، ولن أحتمل فكرة التسبب بموتها

أجابه الشيخ صلاح في حزم وثبات:

هناك من يموتون أيضا في أثناء اجلراء جراحة الزائدة الدودية ، علر الرغم من أن نسبة النجاح فيها تتجاوز الخمسة والتسعين في المائة ، حتى بالنسبة لجراح مبتدئ .. الموت والحياة بيد الله وحده يا نبيل ، وتلك النسب التي تقيسون بها الأمور وفقا لمقاييس طبية وعلمية هي نتاج حسابات مادية دقيقة ولا شك ، ولكن رحمة الله لا تخضع لآية نسبة .. ومادام الخطر سيبقى دون الجراحة فمن واجبك أن تجريها ، وأن تثق فيما وهبه الله اياك من فضل وموهبة .. ومن يدري ، لربما أنت أحد الأسباب التي هيأها الله لتلك الفتاة لتنجو من الخطر وتحيا ما تبقى لها من العمر حياة طبيعية

قال نبيل في توتر:

انك تتجاهل المنطق العلمي تماما وتنسى أنالنتائج والتجارب هي مصباحنا في الحياة

قال صلاح في حزم:

يبدو أنك قد تشبعت بالمنهج تاعلمي حتى أنك لم تعد تؤمن بقدرة خالقك
اعترض نبيل في توتر :

يا شيخ صلاح..

قاطعه شقيقه في صرامة:
لم جئت تطلب مشورتي اذن ، مادمت لاتؤمن بها

علت الدهشة والحيرة وجه نبيل وهو يغمغم :

لست أدري .. لقد وجدت نفسي مدفوعا اليك طالبا مشورتك

ارتسم الصفاء على وجه الشيخ صلاح وهو يقول:


هذا لأنك تؤمن بمنهجي في أعماقك وكل ما تحتاجه اليه هو الأيمان والأقتراب من الله ..فكل ما حققته من نجاح وشهرة وثراء لم يمنحك الثقة والطمأنينة اللتين تحتاج اليهما .. وعندما واجهتك تجربة تحتاج اليهما وتتعلق بالأنسانة التي تحبها بينت لك تلك الحقيقة ورحت تتمنى لو أنك تمتلك من الأيمان ما يجعلك تقدم على اجراء العملية دون خوف أو رهبة .. لقد أدركت الأن فقط أن العلم مهما بلغ تقدمه يقف أحيلنل عاجزا على عكس الأيمان الذي لاحدود له ولا يعترف بالمستحيل فلا مستحيل مع رحمة الله سبحانه وتعالى .. ابحث عن ا لأيمان في أعماقك يا نبيل وعنذئذ ستجد نفسك قادرا على مواجهة الأختبار حتى لو ماتت غادة بعد العملية سيتريح ضميرك لأنك بذلت أقصى مايمكنك ؛ ولأنك لم تتقاعس عن مساعدتها ولأن هذه مشيئة الله سواء أجريت العملية أم لا ؛ ولأنه لكل أجل كتاب

ظل نبيل صامتا تتنازعه المشاعر حتى نهض الشيخ صلاح قائلا:

سأتركك الآن فقد حانت صلاة العصر ..

وابتعد خطوتين ، ثم عاد يستطرد :
لم لا تشاركني اياها؟

انتفض نبيل ، وكأنما سمع ما يرهبه ، فهو لم يقرب الصلاة منذ ست سنوات ، وكأنما هناك شئ بداخله يشعره بأنه غير جدير بالوقوف بين جموع المصلين على الرغم من أن ديانته في جواز السفر هي الأسلام ...

ودوى أذان الصلاة ،دون أن ينهض نبيل من مكانه ودون أن يلبي نداء ربه ونداء شقيقه الذي قال في أسى:

_ بسم الله الرحمن الرحيمك (( أنك لاتهدي من أحببت ، ولكن الله يهدي من يشاء)) ( صدق الله العظيم) .. هداك الله يا نبيل
وعندما اتجه الى الصلاة ، كان نبيل يغادر المسجد وكان قلبه يرتجف.

*****************
لم يكد نبيل يجتاز ردهة قسم أمراض القلب حتى استقبلته سناء ووجهها يحمل علامات التعب والأرهاق هاتفة:

دكتور نبيل حمدالله على حضورك

سألها نبيل :

ماذا حدث؟
أجابته في أرهاق :

لقد عاودت الأزمة الأنسة غادة ، وقمنا بنقلها الى حجرة العنلية المركزة

سألها في اضطراب :

متى حدث ذلك ؟

أجابته ملوحة بكفها :

بعد مغادرتك المستشفى بساعتين

انطلق يعدو نحو حجرة العناية المركزة وهي تلهث خلفه وسألها:

ما مدى خطورة حالتها الآن ؟

أجابته لاهثة:
أظن أن الدكتور منير يسيطر على الأمر

لم يطق صبرا في مرحاة التعقيم لاتي تسبق الدخول الى العناية المركزة، ولم يكد ينتهي منها حتى اندفع الى الحجرة ، وراى الدكتور منير يتابع رسام القلب الكهربائيوالى جواره أسطوانة أكسجين وغادة مستغرقة في النوم فاقترب منه يسأله:

هل نجحت في السيطرة على الأزمة؟

أجابه هامسا ، وهو يشير الى شاشة رسام القلب :

الى حد ما ولكن قلبها كما ترى قد بلغ حدا من الضعف يعجزه عن مواجهة أزمة أخرى

ظلت عينا نبيل متعلقتين برسام القلب وهو بغمغم:

نعك أعلم ذلك ...شكرا لك دكتور منير على كل ما بذلته من جهد .

ابتسم منير قائلا:

علام تشكرني ؟ انني أ}دب عملي ، ولا تنس أنها حالتي ، قبل أن تطالب أنت بتوليها

غمغم نبيل : حسنا .. يمكنك أن تستريح الأن .. سأبقى أنا الى جوارها

ربت منير على كتفه قائلا:

لا بأس ستجدني في حجرتي ، لو احتجت الى المعاونة

أومأ نبيل برأسه شاكرا وهو يتطاع ال ى وحه غادة الشاحب في حين انصرف الدكتور منير الى حجرته وتقدم نبيل نحو فراش غادة وغمره شعور جارف بالحب والحنان تجاه تلك المخلوقة الجميلة الممدة على الفراش وعاودته في تلك اللحظة كل المشاعر والعواطف لاتي يكنها لها في قلبه ، والتي حاول أن يجعل منها مجرد ذكرى لولا لأن هزمته لحظة المواجهة

ما أعجب النفس البشرية


لقد تصور أنه يعلم أدق أسرار القلب بحكم خبرته وبدراسته لأنسجته وصماماته وشرايينه دون أن يتأمل يوما ذلك المعنى الذي يصبغه به الشعراء ومؤلفو الروايات الرومانسية بل راح يسخر منهم ومن جهلهم بالقواعد العلمية .. ولكنه الأن يشعر بأنه يجهل الكثير عما لا يصل اليه مبضع الجراح

واكتسى وجهه بتعبير حزين وهو يشعر بعجزه عن انقاذ الأنسانة الوحيدة التي أحبها وبخوفه من الأقدام على الوسيلة الوحيدةلأنقاذها والتي لاتتجاوز نسبة النجاح فيها خمسة في المائة مع خمسة وتسعين في المائة من احتمالات الفشل

والفشل في هذه ااحالة تعني الموت

دخلت سناء في هذه اللحظة لتهمس في أذنه:

والد المريضة في الخارج ويرغب في مقابلتك

تمتم نبيل في خفوت :

ابقي الى جوارها حتى أقابله وأبلغيني فور استيقاظها

غادر الحجرة ليجد والدها أمامه في حالة يرثى لها وهو يتحرك جيئة وذهابا في اضطراب ولم يكد يلمحه حتى هرول اليه قائلا:
لقد أبلغني الدكتور نمنير أنها تجاوزت الأزمة أهذا صحيخ؟

أحكم نبيل رباط عنقه في محاولة لتهدئة أعصابه وهو يقول:
نعم .. انها نائمة الآن

ثم دعاه الى الجلوس في مكتبه مستطردا:

أعتقد أن كلينا يحتاج الى قدح من الشاي يسترد به نشاطه

وضغط على زر الجرس المجاور للمكتب في حين ناوله الأب خطاب عادل وهو يقول:

لقد عاودتها الأزمة بسبب هذا

التقط نبيل الخطاب وقرأه في اهتمام ثم ألقاه في أسى :

ياللمسكينة ! ما أقسى ما تعرضت له !! قلب يحتضر وخطيب يهجرها بكل خسة ونذالة لمرضها سيد ابراهيم انني انني..

قاطعه الأب:

مازلت تحب غادة .. أعلم ذلك . أنه خطئي منذ البداية فلم يكن يصلح لها سواك

ردد نبيل في ندم :
وخطئي أيضا فلم يكن ينبغي أن أتخلى عنها حينذاك

لسنا هنا انبحث أمر المحطئ .. لقد فات أوان الحساب ولكن قل لي : كم تبقى لأبنتي ؟؟ أخبرني الحقيقة مهما بدت قاسية

ظل نبيل صامتا لحظات قبل أن يقول :
أمامنا خياران أحلاهما مر: الأول : هو أن تظل في المستشفى تحت رقابة الأطباء لمدى لا يعلم سوى الله مداه مع مراعاة أن أي أزمة جديدة قد تعني نهايتها ..

والثاني : هو أن نجري لها العملية لتغيير صمامات القلب في ظل ما يعانيه قلبها من متاعب وقد يعيدها هذا الأجراء فتاة عادية ولكن نسبة نجاح تلك العملية لا تتجاوز خمسة في المائة على أحسن الفروض .. فأما أن تنجح أو تمتد غيبوبتها أربعا وعشرين ساعة وتنتهي بتوقف القلب عن العمل تماما

صمت الأب طويلا لايدري ماذا يقول فسأله نبيل :
أي الخيارين تختار؟

امتد صمت الأب برهة قبل أن يجيب :
ليس من حقي الأختيار .. أنه حقها وحدها

قال نبيل وهو يحدق في سقف الغرفة:

لقد اختارت العملية على أن أجريها أنا

بدا وكأن حالة من الهدوء النفسي قد انتابت الأب بغته وهو يقول:
على بركة الله أذن

وانحسم الأمر

.
.


انكمشت في فراشها وأطلت من عينيها نظرة تبعث على الأسى عندما رأته مقبلا عليها ، واقترب منها محاولا أمساك معصمها اى أنها أبعدت يدها في عنف على الرغم من ضعفها وأخفتها تحت غطاء الفراش وقد ازدادت فيه انكماشا فقال محاولا بث الطمأنينة في نفسها :

أتخافيني؟...

أجابته في يأس:

لقد تخليت عني ، وهاهو ذا عادل يفها نفس الشئ نفسه لم لا تدعني أموت؟

قال نبيل في هدوء وصوته يحمل نفس النبرة المطمئنة:

لأن الحياة أجمل من أن نتخلى عنها ، وهي تستحق أن نحارب من أجلها

أجابت في حزن:

أية حياة مع الغدر والهجر والوحدة والمرض ؟.. انني بائسة تعسة الكل يتخلى عني ويلفظني ... انني جثة على قيد الحياة

مسح شعرها في حنان وهو يقول:

لا يا غادة .. لاتقولي هذا انك ما زلت في نظري غادة الجميلة ذات الوجه الملائكي .. غادة التي أحببتها وتمنيتها زوجة لي وما زلت أحمل هذه الأمنية في قلبي .. لقد أخطأت مرة عندما تصورت يوما أن الفارق المادي بيننا والجرح الذي أصاب قلبي من رفض أبيك لي يكفيان لأنهاء ما بيننا .. واليوم أدركت فداحة هذا الخطأ وأنك ما زلت تعيشين في قلبي وأن حبنا أعظم من أن تنهيه السنين

قالت وقد ازدادت حزنامن كلماته:

أشكرك على محاولتك رفع معنوياتي ولكنني لست بحاجة الى شفقتك

قال متضرعا:

صدقيني يا غادة .. أرجوك .. أنني ما زلت أحبك أكثررمن أي وقت مضى

سالت الدموع من عينيها وهي تقول:

أتعرف ما الذي تمنيته منذ لحظات قبل أن تدخل الحجرة؟ لقد تمنيت أن تكون ذكريات حبنا هي آخر ما أغلق عليه عيني عندما أرحل عن هذه الدنيا فقد كان حبنا عظيما حقا ولست أحب أن تشوهه بهذا المشهد التمثيلي أرجوك.. لا تفعل يا نبيل مهما كانت شفقتك نحوي

تناول كفها من تحت الفراش وأمسكها في حنان وهو يقول:

تطلعي الي جيدا يا غادة .. افعلي ولا تشيحي بوجهك عني

أرادت ألا تستجيب الى توسلاته الا أنها لم تلبث أن رضخت له ورفعت عينيها الى عينيه العميقتين وهو يستطرد:

أما زلت تذكرين هاتين العينين ؟ .. هل كذبتا عليك يوما؟

أجابته في وهن و كأنما تحاول مقاومة تأثيره عليها :

نبيل أرجوك

تابع دون أن يلتفت الى محاولتها:

صدقيني يا غادة انني أحبك ولم أتوقف عن حبك يوما وكل ما منعني من التصريح لك بهذا هو خطيبك لآحر أما وقد انتهت الخطبة فلم يعد هناك ما يحوا بيني وبين التصريح لك بحبي و بأعلى صوتي في المستشفى ربما يعيد اليك هذا ثقتك في مشاعري وكلماتي

قالت وقد شعرت بالصدق في كلماته ورأته في عينيه :

وما فائدة ذلك الآن ؟ ان حبنا سيمنحنا المزيد من الألم . انني أقترب من الموت ولست أحب أت أورثك العذاب برحيلي

احتضن كفها بقوة وكأنما يتشبت بها وهو يقول:
لا يا غادة ... ستعيشين ... ستعيشين من أجلي .. ستعيشين لأنني لم أتنازل عنك هذه المرة و لأنني سأسعى لأتمام زواجي منك الذي تأخر ست سنوات كاملة .. لقد أحضرت لك خاتم الخطبة وسأعلن خطبتنا هنا في المستشفى

شملها شعور جارف بالسعادة والثقة بالنفس والأقبال على الحياة وهي تسمع كلماته وأدركت لحظتها أنها لا ولم ولن تحب سواه وابتسمت ابتسامة مشرقة على الرغم من شحوبها وهي تقول:

لست بحاجة الى خاتم خطبة .. انني أحتفظ بخاتم الخطبة القديم

قبل كفها بثقة قائلا:

كنت واثقا من ذلك يا حبيبتي

تقلصت ملامحها بغته وهتفت في جزع:

ولكن لا لن أسمح لك بمثل هذه التضحية من أجلي

رفع وجهه اليها قائلا:

أية تضحية ؟ ... أن كلينا يحب الآخر وحان الوقت لنتم زواجنا

قالت والألم يعتصرها :

أتحب أن تتزوج جثة؟

صاح معترضا:

لا تصفي نفسك بذلك

هتفت :

ولكنها الحقيقة وأنت أكثر من يدركها فالحياة بقلب نصف مهترئ تجعل مني جثة حية لا تصلح لحب أو زواج .. لقد عشت معك لحظات حلم جميل أشكركعليه ولكن حتمية الأمور تجعل من الضروري أن نستيقظ منه ونواجهه فلا معنى لزواج يخيم عليه شبح الموت

قال في أصرار :

لا ياغادة .. لن يفرق بيننا الموت .. لقد قلت أنك ستعيشين وسأبذل أقصى جهدي لتحقيق ذلك

غمغمت في يأس :

لاتعد بما لا تقدر على أنجازه

قال في حزم:

سأجري لك العملية الجراحية غدا يا غادة وسأبذل كل جهدي من أجل الحفاظ عليك

وعلى الرغم منأن أجراء العملية كان مطلبها الا أن رعدة سرت في جسدها عندما ذكر نبيل الأمر فقد ذكرها ذلك بأقترابها من الموت بعد أن تمنت أن يطول بها العمر لتنعم بتجدد حبها الدافئ الذي أحياه هو في قلبها

أنها تخشى الآن اجراء العملية فلم يعد الموت والحياة متساويان عندها كذي قبل

انها لا تريد أن تفقد الحياة الآن بعد أن عاد الحب اليها ..
لا تريد لقلبها أن يتوقف عن النبض بعد أن تراقص بين جوانبه حبا

وفي تردد غمغمت:

ألن تسافر الى لندن غدا؟

أجابها في حزم:
لقد ألغيت سفري .. سأبقى لأجراء الجراحة .. سأتخلى عن أي شئ مقابل نجاح العملية هذه بالذات

حاولت أن تبتسم في ضعف وهي تحيط أصابعه بأصابعهاوهي تقول:

كم أتمنى أن أحتفظ بكلماتك وحبك الى الأبد انهما الشئ الوحيد الذي أخشى أن أفقده لو فشلت العملية

وعلى الرغم من أنه لم يكم يملك ما يوكد به قوله وعلى الرغم ما تمتلئ به نفسه من مخاوف الا أنه حاول أن يبدو أمامها قويا متماسكا ليبعث في نفسها الثقة والطمأنينة وهو يقول مداعبا:

لم هذا الحديث عن المت ؟ ألا تثقين في قدرتي كطبيب ؟؟ سأطالبك بتعويض عن ذلك بعد العملية

ابتسمت قائلة:

سأكون راضية يا نبيل حتى لو مت فيكفيني أن يكون وجهك هو آخر ماأراه

انتفض في ألم وقال:

كفي عن هذا القول يا غادة .. أرجوك .. انك بهذا تزيدين الأمر صعوبة وتضعفين ثقتي في نفسي

مدت له كفها فتناولها بين راحتيه في حنان وجثا على ركبتيه الى جوار فراشها وهي تهمس في حب :

كما تشاء يا حبيبي .. لن أذكر الموت مرة أخرى ..فقط دعني أسمع من بين شفتيك كلمة أحبك .. أسمعني أياها

ضم كفها الى صدره وه يردد:

أحبك يا غادة .. أحبك

ثم أضاف وعينيه تلتمعان بالدمع :

الى الأبد

انهار نبيل ....

غاص في مقعده منهارا ممتقع الوجه ..

لقد انتهىعلى التو من أجراء العماية الجراحية ل غادة ..

بذل كل ما يمكنه خلال العملية

جمد مشاعره

أوقف نبضاته القلقة...

سمر أصابعه حتى لا ترتجف فوق المشرط..

نسي أنها أحب مخلوقة الى قلبه..

ولم يتوان فريق الأطباء المصاحب له لحظة واحدة وبذل الجهد والعرق لأنجاح العملية

ولكن قلبها الضعيف لم يحتمل ولم تجد كل المساعدات الطبية له على الرغم من نجاح العملية طبيا ..

لقد حدث ما لا يملك أبرع أطباء العالم أزاءه شيئا ....

توقف القلب...

ارتجف عدة مرات ثم توقف..


انه لن ينسى _ ما بقي _ له من العمر جسدها القيق المسجى على الفراش

كانت عيناها مغمضتين الا أنه شعر وكأنهما ترمقانه بعتاب واتهام من خلف الأجفان الغلقة لعجزه عن الوفاء بوعده لها

ولكنه لم يقصر في شئ..

لقد كانت العملية مطلبها منذ البداية وكان الموت مصيرها سواء أجرتها أم لم تجرها

ولكنه لن يغفر لنفسه موتها علي يديه

مريم خالد . 98
20-11-2009, 09:01 PM
سوووري عالسؤال اللي فموضوع القصة الجزء الثاني ,, مانتبهت لكن القصة حقيقية أم لا .؟

J1CHANCE
20-11-2009, 09:17 PM
القصة حقيقية حسب قول الكاتبة ... ومافي داعي للاعتذار اسألي اي شي ..