المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 91 % من نزلاء دار التربية الاجتماعية للفتيان طلبة مدارس



مراايم
18-11-2009, 02:13 PM
انحراف الأبناء تغذيه الفضائيات وحجرات "النت"
91 % من نزلاء دار التربية الاجتماعية للفتيان طلبة مدارس
تحقيق: جيهان شعيب

http://www.alkhaleej.ae/uploads/gallery/2009/11/17/70705.jpg

دائماً نقول إن التربية تفوق التعليم، فإذا كان أبناؤنا وهم في طريقهم إلى المقاعد المدرسية يومياً، يحثون الخطى نحو اكتساب المزيد من العلم الذي سيصل بهم يوماً إلى ما نتمناه لهم، ويتمنونه لأنفسهم، فإن ما ننشده هو أن يسبق ذلك تقويم سلوكهم، وتربية تصرفاتهم على الصحيح من الأفعال والأعمال، بحيث تسير التربية جنباً إلى جانب التعليم الذي يرفدون بمفرداته من خلال المدارس التي يقصدونها، وتكون جزءاً لا يتجزأ من التنمية الفكرية التي يتلقونها، حتى تحقق المدارس كامل المعنى الظاهر والضمني لجملة تربية وتعليم .

ما سبق يعد بمثابة قاعدة أو مبدأ لا مجال للتفاوض حوله، ورغم ذلك أورد التقرير السنوي لدار التربية الاجتماعية للفتيان، ما يناقض هذا المبدأ، حيث كان أغلب من استقبلتهم الدار في العامين الحالي والماضي من طلبة المدارس الجانحين، وبلغ إجمالي نسبتهم 91%، منهم نسبة 37% من دارسي المرحلة الإعدادية وبلغ عددهم 33 حالة، فضلاً عن نسبة 22% من طلبة المرحلة الثانوية، وعددهم 20 حالة و19 حالة من الطلبة الفنيين الملتحقين بالمعاهد والمدارس الفنية وبلغت نسبتهم 20%، مقابل العاطلين الذين لم يتجاوز عددهم 11 حالة، وبنسبة 12% .

مؤشر الأرقام يعطي دلالة خطيرة عن الواقع السلوكي السلبي غير السوي لعدد من أبنائنا الدارسين، وإن كانت الأرقام صغيرة نسبياً، إذا قورنت بمجمل أعداد الطلبة المنتظمين في المدارس، إلا أنه من غير الواجب إهمالها، حتى نفاجأ بتصاعدها، ويكون الآوان قد فات لتصحيح سلوكيات انحرفت عن مسارها السليم، وأصبح من غير الممكن، إن لم يكن من المستحيل إعادتها إلى جادة الصواب في التفكير والتصرف والفعل .

ما الذي يكشفه أكثر مسؤولي دار التربية الاجتماعية عن هذه القضية وما أهم الأسباب وراء انحراف جانب من أبنائنا الطلاب؟ وكيف السبيل إلى تصحيح سلوكياتهم؟ وغيرها من الأسئلة، طرحناها على عدد من المعنيين، وكانت إجابتهم مضمون التحقيق التالي:

خليل البريمي مدير دار التربية الاجتماعية للفتيان يرجع أسباب انحراف طلاب المدارس تحديداً إلى محاولة إثبات الواحد منهم رجولته، بالتدخين بداية، ومن ثم الهروب من المدرسة، إلى تركها نهائياً، أو اللجوء للدراسة خلال الفترة المسائية، لينام طوال النهار، وقال: أغلب من تستقبلهم الدار من طلاب المدارس الجانحين، وهذه مشكلة كبيرة تجب مواجهتها بكل الوسائل، والأسر تحديداً هي السبب وراء هذه المشكلة، فالمستوى التعليمي للوالدين يعتبر من المؤشرات المهمة لتوضيح أسباب جنوح وانحراف الأحداث، حيث معظم آباء الجانحين حاصلون على الشهادة الإعدادية أو أدنى، إضافة إلى انتماء معظم الجانحين لأمهات من جنسيات آسيوية غير عربية وبيئات غير متعلمة، مما تنتج عنه أساليب تربوية خاطئة، تجعل الأبناء أقرب إلى الجنوح والانحراف .

وبالنسبة للجرائم الأكثر ارتكاباً من الأحداث، أضاف: تقف السرقة على رأس الجرائم التي يرتكبها هؤلاء، بسبب رفقاء السوء، ووقت الفراغ عقب الهروب من المدارس، وانخفاض المستوى المادي للأسرة، فيما تتحول السرقة إلى مرض نفسي يعتاده الحدث إذا لم يتم علاجه، أو إصلاح سلوكه، تليها جريمة هتك العرض، ومن ثم المشاجرات، فالقضايا المرورية، فانتحال صفة رجال الأمن والأعمال اللاأخلاقية .

ويرى أحمد بوسمنوه رئيس لجنة التربية والثقافة والإعلام في المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة، أن هناك مجموعة كبيرة من الأسباب وراء انحراف عدد من طلاب المدارس، يربط فيما بينها رابط مشترك هو ظروف الأسرة، أو التاريخ الاجتماعي لها . . كيف بدأت؟ وكيف استمرت؟ وإلى أين انتهت؟ من حيث أصل الزوجين، والمستوى التعليمي لهما، والظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها الأسرة، بما يحدد الجانب الرئيس لهذه المشكلة، ويدفع إلى التساؤل عن المعايير الاجتماعية للتمييز بين السلوك المنحرف من عكسه .

وقال: الإجابة عمّا سبق تكمن في رؤية المجتمع لنفسه، اعتماداً على الموروثات الدينية، والثقافية، والحضارية والأخلاقية، فهذه الخطوط الحمراء التي يضعها كل مجتمع لنفسه، فإذا تجاوزها افراده اعتبروا منحرفين، وهنا نسأل أنفسنا: هل نحن في مرحلة ضبابية في تحديد تلك المعايير؟ للأسف الشديد نعم، فوسط هذا الاندفاع السريع، والتقليد الأعمى، وفتح الأبواب لكل جديد من دون تقييمه، ووسط التدفق الأجنبي الهادر، وموجة الانحلال في وسائل الإعلام الإلكترونية، والأوضاع الاقتصادية التي تتلاعب بأولياء الأمور صعوداً وهبوطاً، وتدفعهم للانشغال عن أسرهم وأبنائهم، ووسط فقدان معظم الآباء لأدوارهم، وهم من المفترض أن يكونوا حارسي بوابات أسرهم، والقادرين على قول الكلمة الصارمة والحاسمة في الوقت والمكان المناسبين، نجد أنفسنا أمام عينات من أبنائنا وبناتنا تنحرف وتتزايد يومياً في مجتمعنا، نطلق ضدهم علامات الاستهجان، ونعجز عن أن نطلق في وجههم حتى صيحات الاستنكار، أننا نجد أنفسنا كأولياء امور في كثير من الأحيان، في حالة استسلام وعجز غير مسبوقين، فها هم فتية وفتيات يجلسون في المقاهي في مظاهر غير مألوفة، وغيرهم في دور السينما من دون مراعاة للمعايير التي اعتادها المجتمع، والنتيجة انحراف محقق .

وأكمل: الحل يكمن في اتضاح الرؤى، لتحويل المواجهة إلى رؤية واحدة ومتكاملة بين جهات المجتمع كافة، فمن دون التكامل لا يمكن تحقيق أي اختراق في قضية الانحراف التي تجتاح قطاع الأحداث من طلبة المدارس، والتكامل الذي أقصده يجب أن يتجاوز الثنائية التقليدية التي اعتدناها والمتمثلة في البيت والمدرسة، لأنهما وحدهما عاجزان عن تطويق الظاهرة، لذا فلابد من توسيع دائرة المسؤوليات لتشمل دائرة الشؤون الاجتماعية التي تقيم الوضع الاجتماعي، وقطاع العمل الأكاديمي الذي يرفد الساحة بمؤشرات أكثر دقة عن الظاهرة التي تحولت إلى واحدة من التحديات التي تواجه المجتمع، كما أننا في حاجة إلى إشراك البعد الاقتصادي لدراسة أثره في الأسرة، واللجنة العليا للهوية الوطنية لدراسة مدى التأثيرات التي يخلفها طوفان التدفق البشري الأجنبي من دون وضع ضوابط .

وتابع: لتحصين المجتمع لمواجهة ظاهرة انحراف طلاب المدارس نحتاج إلى جميع الجهات الأمنية التي يجب أن يتجاوز دورها التعاطي الأمني، أو المسؤولية الجنائية، إلى ضرورة وضع مؤشر يومي عن الظاهرة، مع إشراك الجهات الإعلامية، وعلى رأسها المجلس الأعلى للإعلام للتصدي لظاهرة السقوط البرامجي الذي يهدد مجتمعنا، وأخيراً فالمجتمع يحتاج إلى مؤسساته بمختلف أطيافها للتصدي لهذه الكارثة، وفق منظومة واحدة متكاملة تستوعب القضية، وتؤمن بضرورة العمل الجماعي المشترك والجاد للتصدي لانحراف فلذات أكبادنا من الدارسين أو غيرهم .

ولم يهادن إبراهيم بركة مدير إحدى المدارس نفسه حينما قال: انحراف عدد من الطلاب في الفئة العمرية من 13- 17 عاماً، من الحقيقة والخطورة بمكان، في ضوء أن هذه السنوات من أخطرها على الإطلاق التي يمر بها الطفل، من حيث الخصائص التي ترافقها ومنها البلوغ الجنسي، والنضوج الجسدي، وتفتح وعي الابن، وتشكل شخصيته، فضلاً عن الصفات الأخرى التي تصاحب هذه السن ومنها التمرد على القوانين والأوامر والتعليمات، والاستبداد بالرأي، والتحدي، واثبات الشخصية، وغيرها، ومن الأبناء من يلجأ إلى ممارسة الرياضة للتنفيس عما يعتريه من تغيرات جسدية وغيرها، ومنهم من ينساق إلى مجالات خطرة، تجره إلى كثير من الأفعال غير السوية .

وأضاف: سابقاً وحين انحراف أي ابن كنا نبرر ذلك برفقاء السوء، أما حالياً فقد تسلل رفقاء السوء إلى داخل بيوتنا، من الفضائيات السلبية، والإنترنت، وغيرها من المؤثرات، وهنا تكمن خطورة الموقف، الذي يتطلب تعزيز دور الأسر بتحصين الأبناء ضد المخاطر، ومن ثم يأتي دور المدارس مكملاً من خلال شغل أوقات فراغ الطلاب بالمفيد من المسابقات الرياضية والفكرية، وعلى المدارس أيضاً وضع نظامي مراقبة وضبط فاعلين لسلوكيات الطلاب، واتخاذ الإجراءات الرادعة مع من يحيد عن الصحيح من السلوكيات، فيما احتمالات انحراف الأبناء داخل المدارس محدودة للغاية لانشغالهم بجدول حصص يومي، وامتحانات وخلافه، عدا ذلك فعلى مؤسسات المجتمع كافة الثقافية، والاجتماعية وغيرها، تسليط الضوء على ظاهرة انحراف الأحداث خاصة الطلبة، ليعرف الجميع الدور المطلوب منه .

ورغم ما يؤكده الاختصاصي الاجتماعي حسن سليمان الوتري من قيام المدرسة بوصفها مؤسسة اجتماعية تربوية مهمة، بدور بارز في تربية وتعليم الطلاب، إلا أنه لا يلقي عليها بالمسؤولية كاملة في القيام بالدور التربوي المطلوب، ما لم تؤد الأسرة أيضاً دورها في تربية الأبناء بشكل سليم، وقال: نلاحظ حالياً العديد من انواع القصور لدى الأبناء مما يؤثر في مسيرة حياتهم التربوية، والنفسية، والاجتماعية والأسرية، والأخلاقية، ومنها الضعف في التحصيل الدراسي، والإهمال في أداء الواجبات والمتطلبات المدرسية، والجهل بكيفية التعامل والتكيف مع الآخرين من زملاء ومعلمين، والرفقة السيئة، فيما تعود أسباب بعض هذا القصور إلى ضعف قدرات الطالب الذهنية أو العقلية، وطبيعة الظروف التي يعيشها في أسرته من طلاق أبويه، أو وفاة أحدهما، أو صرامتهما في معاملته، وغيرها، إضافة إلى تأثره أحياناً ببعض زملائه المتأخرين دراسياً، أو أخلاقيا، مع عدم وجود من يرشده ويصحح أفكاره، فيما يكمن السبب الرئيسي في إهمال هؤلاء الأبناء، وقلة متابعة أسرهم لهم سواء داخل المدارس أو خارجها، بانشغال هذا الأب أو ذاك وتنصله من واجبه تجاه أسرته، وضعف قدرات الأم وحدها عن توجيه وتربية الأبناء والسيطرة عليهم . وأضاف: لكي نضمن سير الأبناء في دراستهم سيراً حسناً، وعدم تأخرهم أو ضعفهم، وحتى تمكن وقايتهم من الانحراف لابد من:

متابعتهم المستمرة من قبل الوالدين في المنزل والمدرسة والسؤال عنهم والتشجيع المستمر لهم على المثابرة والنجاج والتفوق، ومعرفة من يجالسون ويرافقون من أصدقاء، وهل هم صالحون أم فاسدون؟ وقضاء وقت كاف معهم خصوصاً من قبل الوالد، بأن يخصص جزءاً من يومه يمضيه معهم وإن تيسر الأمر مرافقة الابن لأبيه وقضاء بعض المهام معه على ألا يكون ذلك بإلزام الابن وإجباره، بل باختياره ولا يكون ذلك أيضاً على حساب دراسته ومذاكرته مما يقوي علاقة الابن بأسرته، ومحاولة فهم الابن من قبل الأسرة والاستماع لآرائه أو حوائجه أو شكواه ومشكلاته وما يعانيه ومساعدته في تجاوزها وغير ذلك من الإجراءات والحلول، ضرورة قيام وسائل الإعلام بدورها في توجيه الشباب توجيهاً سليماً وتحصينهم من خطر الانحراف، على أن تولى عناية خاصة عند اختيار المواد الأجنبية حفاظاً على هويتنا ووقوفاً على وجه المد الإعلامي الذي يمكن أن يؤثر في ثقافة شبابنا، إلى جانب ترسيخ وتعميق مبدأ الولاء الوطني في أذهان الشباب وحثهم على القيام بدورهم الاجتماعي المأمول، وتطوير صفحات الرياضة والثقافة واختيار المواد النافعة، وإضافة مواد ترفيهية تنمي رغبات الشباب في المعرفة والاطلاع، وتجنب المسلسلات الهابطة وغير الهادفة التي تؤدي إلى ضياع وقت الشباب .

وتقع على المجتمع مسؤولية إعداد أذهان الشباب وصقل شخصياتهم وتربيتهم على القيم والمبادئ التي يرتضيها المجتمع، والتي تجعل منهم مواطنين صالحين، فالمجتمع مطالب بأن يرعى عقول الشباب وفكرهم، وأن يعدهم بالصورة المطلوبة ولا يدّخر في ذلك جهداً أو مالاً وهناك الكثير من المظاهر والإجراءات التي يجب على المجتمع القيام بها حتى نقي شبابنا شر الانحراف ومنها:

القضاء على كافة مظاهر الفساد الإداري والاجتماعي سواء كانت كبيرة أم صغيرة، لأنها توثر في شخصية الشباب بحكم قلة خبرتهم الواقعية، وبث روح الواقعية في أذهان الشباب وخاصة أصحاب الطموحات الكبيرة المصحوبة بالتهور، وإزالة مشاعر الفشل والإحباط لدى الشباب وإشعارهم بأهميتهم الاجتماعية ومنحهم حقوقهم المشروعة .