المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : طلب تقرير عن الهوية .. ( تـــم ).. ( الفصل الأول )



جتبيه وافتخر
02-10-2009, 05:43 PM
السلام عليكم ...
شحالكم شخباركم ...
اباا تقرير عن الهوية الوطنية ..؟؟
ضروووري..

حلو نعيش المسؤولية
17-10-2009, 09:29 PM
مفهوم الهوية الوطنية

يثير التباس مفهوم الهوية الوطنية و عدم وضوح حدوده في بقاع أخرى كثيرة من بلاد العالم، و منها العراق، أسئلة أكثر من الإجابات نظرا ً لكونه من أكثر المفاهيم إثارة للخلاف بين المتحاورين و الكتاب و الفرقاء السياسيين. و يستعر أوار الخلاف حولـه أكثر فأكثر في أزمنة الأزمة التي تضع كثيرا ً من المسلمات التي سادت لفترة ما موضع الشك. و لعل الحال في العراق يمثل تجسيدا ً ملموسا ً لهذه الحقيقة. إذ على الرغم مِـنْ أن مَـنْ يتحاورون حول ماهية مفهوم الهوية الوطنية و حدوده يتفقون جميعا ً على أهميته الجوهرية في إرساء الوحدة الوطنية على أسس راسخة، إلا أنهم نادرا ً ما يتفقون حول ماهية هذه و أبعادها الثقافية و الفكرية و السياسية. و الواقع أنه يمكن استعمال المفهوم على أنه شعار سياسي ذو بعد استراتيجي لهذا الطرف السياسي أو ذاك، أو أن يُـصاغ على وفق الرؤيا الأيديولوجية لهذه الجهة أو تلك. بيد أن مثل هذه الممارسات ستنتج تصورات كثيرة في عددها و متباينة في أُسسها النظرية و في أهدافها. وهو ما يغيب البعدين الموضوعي و المعرفي للمفهوم و يقلل من قيمته الفكرية و من فاعليته الإجرائية على أرض الواقع فيجعل منه دافعا ً نحو الفرقة و التناحر داخل المجتمع بدلا ً من أن يكون حافزا ً للتوحيد و التعاضد. و لعل من نافلة القول أن تحديد طبيعة المفاهيم الاجتماعية و السياسية العامة، و مفهوم الهوية الوطنية من أهمها، هو بحث في ماهيات مؤسسة على وجود متحقق و عيني. إن الفرد يوجد في مجتمع ما أولا ً ثم يكتسب هويته أو ماهيته لاحقا ً. بمعنى أن الهوية ليست معطى مقدسا ً و ثابتا ً و نهائيا ً، و إنما هي معطى تاريخي في حالة صيرورة و حركة دائمين. و لذلك فهو عرضة للمراجعة و النقد و التقويم لجعله أكثر فاعلية في أداء وظائفه الأساسية في توحيد المجتمع و تحديد من ينتسبون إليه و تمييزهم عمن سواهم. فنحن نتفق تماما ً مع من يقول أن "... ليس لهوية قيمة في ذاتها أو فيما تخلقه من شعور بالخصوصية، وإنما تنبع قيمتها مما يقدمه الإطار الذي تخلقه من فرص حقيقية للتقدم و توسيع هامش المبادرة التاريخية للشعوب و الجماعات التي تنطوي تحت شعارها"( برهان غليون, حوارات من عصر الحروب الأهلية: 312-313، و التوكيد لكاتب السطور). و هذا يعني ضرورة البحث في ماهية مقومات الهوية و صولا ً إلى تحديد ما يفرضه الواقع الراهن في العراق من وظائف على الهوية الوطنية أن تؤديها لكي تجعل أبناء العراق يستعيدون لحمتهم الوطنية التي توشك أن تفكك عراها؛ ويستعيدون مبادرتهم التاريخية و فرص تقدمهم في المستقبل.
و لسوف يشكل ذلك حافزا ً لكاتب هذه السطور، بوصفه عراقيا ً مستقلا ً، لكي يقدم رؤياه الفكرية بخصوص مفهوم الهوية الوطنية إسهاما ً منه في إغناء الحوار حولـه. و هو يقرُّ بأنه لن يكون بمنجاة من تأثيرات فكرية بعينها؛ و لكنه سيسعى، قدر المستطاع، للحد من تأثيرها على ما سيقول. و لكي يجعل أطروحته أكثر موضوعية، و بالتالي أكثر موثوقية، فإن الكاتب سيخضع قراءته هذه لإجراءين منهجيين: أولهما تحديد المنظور المعتمد في هذه الأطروحة، و ثانيهما الالتزام بمنهجية صارمة تلتزم الحياد في عرض الآراء المختلفة و تحليلها و مناقشتها و بناء الاستنتاجات المترتبة عليها.
و لعل من المناسب بداية أن نقرر مبادئ عامة نحتكم إليها في مسعانا لتحديد مقومات الهوية الوطنية. و هي المبادئ التي يمكن حصرها بالآتي:
1. أن تكون الهوية منسجمة مع معطيات الفكر السياسي و القانوني الحديث الذي يستند إلى قاعدة المواطنة بوصفها معيارا ً جوهريا ً و مبدأ قانونيا ً في تأمين المساواة في الحقوق و الواجبات لجميع أبناء الشعب ممن يحملون هذه الهوية.
2. أن تكون الهوية معبرة عن الواقع الراهن للشعب العراقي بوصفه كلا ً غير قابل للتجزئة. بمعنى أنها لن تكون انعكاسا ً لتصور فئة ما دون غيرها. و هذا يجعلها هوية ً وطنية ً بحق و ليست تعبيرا ً عن موقف سياسي ضيق.
3. أن تكون الهوية عامل توحيد و تقوية و تفعيل للحراك السياسي الاجتماعي و الاقتصادي في البلاد على الأسس الواردة في المبدأين أعلاه، و أساسا ً راسخا ً لتعزيز الكيان السياسي الموحد للدولة و استكمال بناء مؤسساتها المعبرة عن وحدتها من جهة و استعادة سيادة البلاد و مواصلة دورها الإقليمي و الدولي من جهة أخرى.

في مشكلة مقومات الهوية
لعل مسألة تحديد مقومات الهوية من أكثر القضايا صعوبة و حساسية لأنها تنطوي بالضرورة على إغراءات أيديولوجية قد تطيح بالبعد المنهجي و الموضوعي للبحث في تحديد هذه المقومات. فقد طرحت الأيديولوجية الماركسية مفهوما ً أُمميا ً للهوية تجسد في شعار" يا عمال العالم اتحدوا" الذي يدعوا إلى وحدة عمال بلاد العالم كافة على أساس طبقي. و لكنه في الوقت نفسه ينطوي ضمنا ً على وحدة من نوع آخر هي وحدة الرأسماليين على أساس طبقي أيضا ً. و بذلك ظهرت أولى ملامح الهوية الطبقية التي تتجاوز الحدود و المقومات القومية و الدينية. لكن المفهوم الطبقي هذا كان فضفاضا ً و طوباويا ً إلى درجة أنه لم يصمد طويلا ً حين اختار العمال في ألمانيا و بريطانيا و فرنسا الوقوف وراء حكوماتهم الرأسمالية أثناء الحروب الأوروبية المحلية و العالمية متجاهلين هويتهم الطبقية ومنحازين لهويتهم القومية. و منذئذ بقيت مسألة الهوية و عناصرها التكوينية مطروحة للجدل و السجال الفكري والأيديولوجي. فما هي الهوية؟ و ما هي العناصر أو المقومات التي يجب أن تدخل ضمن مكوناتها؟ و هل ينحصر تعريفها على الدين و القومية فحسب ؟ و ما هي خيارات الهوية المتاحة الآن أمام العراقيين؟ و ليس القصد من التوكيد على الآنية في السؤال قبل الأخير الزعم بآنية الهوية المرجوة؛ و إنما هو فقط للإشارة إلى الوضع المتفاقم لأزمة الهوية في العراق في هذه المرحلة بالذات. وهو وضع يتطلب، و بإلحاح، إجابة تتوافر لها عناصر تاريخية ملموسة و مقومات حقيقية على أرض الواقع فضلا ً عن تطلعات مستقبلية مشروعة من جهة و ممكنة من جهة أخرى. و سوف فنبدأ بالإجابة على السؤال الأخير لأن الإجابات على بقية الأسئلة ستحدد و تجد إجاباته أثناء التوسع في الإجابة عليه.
إذا استبعدنا الخيار الطبقي لأنه فضفاضا ً و طوباويا ً، و لأنه لم ينجح تاريخيا ً في البلاد المتقدمة التي توجد فيها طبقة عاملة ناضجة، و تأملنا في خيارات الهوية المتاحة أمام العراقيين لرأينا أنها تتلخص في ثلاثة خيارات متمايزة جوهريا ً هي:
1. الهوية الدينية: و تستند هذه الهوية إلى الدين الإسلامي. و هي ذات بعد تاريخي يستحضر بالضرورة تاريخ الدولة الإسلامية التي قامت بالإسلام و على الإسلام. تلك الدولة التي كانت لها إنجازات حضارية عظيمة. و كانت لها، في الوقت نفسه، أخطاء جسيمة على المستوى السياسي. و ليس الغرض من هذا الكلام نقد الدين الإسلامي الذي نرجو أن يحظى باحترام يبعده عن الاستعمال في الصراعات السياسية و الاجتماعية. إنما هو نقد لتجربة الحكم و الحاكمين باسمه. و هؤلاء الحاكمون من البشر. و يمثل حلم استعادة الدولة الإسلامية مجددا ً الركن الأساس في مثل هذه الهوية و البعد المستقبلي لها أيضا ً. لكن هذه الهوية الحلم تبتعد كثيرا ً عن أرض الواقع و ما يحفل به من حقائق و قضايا ساخنة ليرسم حدود هوية فضفاضة و طوباوية تتجاوز حقائق التاريخ في الماضي و متغيرات الواقع الاجتماعي في الوقت الراهن؛ و ذلك لكونها تتجاهل ذلك التنوع الهائل عرقيا ً و لغويا ً و ثقافيا ً بين الشعوب الإسلامية في عصرنا. و تتجاهل تمدد تلك الشعوب و انتشارها على جغرافية شاسعة تشكل في نهاية المطاف حاجزا ً يحول تماما ً دون حلم الدولة الإسلامية الواحدة. فلهذه الشعوب سياقات تطور اجتماعي و اقتصادي و سياسي شديدة الاختلاف، فضلا ً عن كون الهوية الإسلامية المفترضة تتجاهل أيضا ً الاختلافات الفقهية. فالدين ليس نصوصا ً فحسب، و إنما هو نصوص و تفسيرات مختلفة لها. بمعنى أن مثل هذه الهوية ستدخلنا في مشكلة تاريخية مزمنة و تجعلنا جزءا ً من كل غير موحد من حيث طبيعة المشكلات الاجتماعية التي تعانيها أو الثقافة التي تتبناها أو الأهداف التي تتوخى تحقيقها.( أنظر يوسف سلامة: ص 6-7) و هذا سوف ينعكس سلبيا ً على الوضع في العراق. وهو البلد الذي يعيش في وضع مترد ٍ و مأزوم أصلا ً. و يمكن أن نضيف أيضا ً بأن مثل هذه الهوية ستكون بالضرورة ذات طابع شمولي لأمرين: أولهما كون الإسلام، كباقي الأديان، دين شمولي، وثانيهما أن هدفا ً بهذه الجسامة، و هو هدف يمكن أن يوصف بالاستحالة أيضا ً، لا يمكن السعي لتحقيقه دونما فلسفة في الحكم ذات طابع شمولي. لذلك فإن الهوية الإسلامية تتجاهل وجود مواطنين يعتنقون أديان أخرى في العراق( و في باقي أجزاء البلاد الإسلامية). و هؤلاء يأملون بهوية لا تـُعطى لهم كمنحة دالة على تسامح الأكثرية المسلمة بقدر ما هي حق طبيعي لهم غير منازع. وهذا الأمر يمثل أهم نقاط الضعف في فلسفة الهوية الإسلامية. و هو لا ينطبق على العراق فحسب، بل ينطبق أيضا ً على مصر و السنغال ولبنان و تركيا و إيران و كثير من البلاد الإسلامية الأخرى في آسيا و أفريقيا و أوروبا.
2. الهوية القومية: للوهلة الأولى، تبدو الهوية القومية أكثر قربا ً من الواقع بالمقارنة مع الهوية الدينية. فهي ترتكز على العروبة متخذة منها منطلقا ً في تحديد الهوية القومية للشعوب التي تعيش في البلدان التي يصطلح عليها بالوطن العربي. و بذلك يصح القول أن هذه الهوية ترتبط بواقع مجزأ فعليا ً من جهة، و بتطورات سياسية و اجتماعية قد تحصل، أو قد لا تحصل، في هذه المنطقة في المستقبل من جهة أخرى. بمعنى أنها هوية معرفة بواقع سياسي مجزأ لا يغري هو كون البلدان العربية مقسمة إلى أقطار. و هي معلقة على شروط مستقبلية غير متحققة على أرض الواقع مثل تحول هذه الكيانات القطرية إلى التعاون الحقيقي البناء و نضج الشروط الذاتية و الموضوعية المناسبة لتحول هذا التعاون المأمول إلى شكل من أشكال التوحيد للبلاد العربية. و هذا مما يجعلها غير مناسبة إجرائيا ً في حل مشكلة أزمة الهوية التي يعيشها الشعب العراقي حاليا ً و حتى زمن مستقبلي غير منظور. كما إن هذه الهوية لا أساس تاريخي لها إذ لم يسبق أن تكونت دولة في هذه البلاد الموصوفة بالعربية على أسس قومية عربية محضة. فالإسلام هو الذي وحَّدَ العرب الذين كانوا قبله قبائل متناحرة و وحَّدَ كثيرا ً من الأمم الأخرى في دولة واحدة. و قد يقول قائل: أليس هذا إقرار منك بقدرة الهوية الدينية، و هي التي سبق لك أن رفضتها، على توحيد المختلفين و المتفرقين سواء أكانوا عربا ً أم من أُمم أخرى؟ فأقول أن التوحيد الإسلامي قد جرى على مراحل استغرقت أكثر من القرن. و حدث ذلك في مرحلة تاريخية مواتية داخليا ً من حيث زخم الانطلاق الأول لحضارة ناهضة تواجه حضارات آيلة للتفكك الوشيك. أعني أن التوحيد حدث في ظرف تاريخي فريد من جميع النواحي. وهو وضع لم و لن يتكرر على النحو نفسه مطلقا ً. إذ نعرف من تاريخنا العربي الإسلامي نفسه أن التوحيد في دولة واحدة، وهو الذي أستمر حتى قيام الدولة العباسية و نشوء مركزين للحكم و في بلاد الأندلس، سرعان ما انحسر ليحل مكانه التفتيت التدريجي الذي استغرق حوالي ثلاثة عشر قرنا ً. و في أثناء ذلك، دارت حروب بينية داخلية دموية في دول أو دويلات الإسلام. و هذا يجعلنا ندرك أن تعريف الهوية على أساس الإسلام ضرب من البناء على أسس مشتقة من خيال و رغبات و توق إلى تاريخ ٍ انتهى و لم يعد لـه وجود. و استنادا ً إلى ذلك نقول أن لا حظ لهذه الهوية من النجاح مرة أخرى. و أما بالنسبة الهوية القومية العروبية، فالحقيقة هي أنها تستند، تاريخيا ً، إلى نموذج الدولة- الأمة التي ظهرت في أوروبا؛ ثم تجسدت بأجلى صورها في التوحيد الإيطالي و الألماني في القرن التاسع عشر. و ما أعقب ذلك من تفكك الإمبراطوريتين العثمانية ( الإسلامية) و النمسا و المجر إلى مكوناتهما الأساسية في أعقاب الحرب العالمية الأولى. و الهوية القومية تشترك مع الهوية الدينية الإسلامية في كونها تحاول إعادة تجربة حدثت في ظرف تاريخي متفرد و لا يمكن تكراره؛ و لكنها تختلف عن الهوية الإسلامية في كونها تحاول تكرار تجربة لم تحدث في الشرق العربي الإسلامي، و إنما حدثت في بعض بلدان أوروبا. و هي تجربة أدت إلى حروب طاحنة بين تلك البلدان. و لعل من المناسب أن نذكر بأن أوروبا تسعى حاليا ً لتجاوز تجربة الدولة القومية بعد أن استنفدت أغراضها. فهل يراد لنا أن نجرب نموذجا ً مستهلكا ً للهوية؟ و يستند الفكر القومي العربي أيضا ً في كثير من أطروحته النظرية, و إن كان منظروه ينكرون ذلك، على كتابات الفيلسوف الألماني فيخته ( 1762-1814 م) و خصوصا ً ما جاء في خطاباته إلى الأمة الألمانية. و يمكن أن يبنى نقد هذه الهوية أيضا ً على تجاهلها لحقائق الدولة القطرية على الأرض التي صارت الآن، كما يقول محمد عابد الجابري، وهو أحد القائلين بالهوية القومية،’ حقيقة نفسية فضلا ً عن كونها واقعا ً اقتصاديا ً و اجتماعيا ً و سياسيا ً و دوليا ً. ‘( الجابري: 14). كما أن من شأن التوكيد على مثل هذه الهوية القومية "العربية" أن يحفـِّز الأكراد إلى العمل على مشروعهم القومي الخاص بهم. و يحفـِّز التركمان إلى المطالبة بالعودة إلى حضن دولة مجاورة. كما أنه سيحرك دول الجوار على رسم مشروعات تقسيم للبلاد بدعاوى حماية المتماثلين قوميا ً معها مما يقوض أسس بناء الدولة و وحدتها. كما أنه، من الناحية المنطقية و القانونية، ليس من حق المطالبين بجعل العروبة أساسا ً للهوية أن يقصروا ذلك على قومية بعينها دون القوميات الأخرى في البلاد. بمعنى أن التوكيد على العروبة شرطا ً أساسيا ً لتحديد ملامح الهوية سيؤدي لا محالة، و بصرف النظر عن نوايا القائلين بذلك، إلى تقسيم العراق عاجلا ً أم آجلا ً.
3. الهوية الوطنية العراقية: تركز أغلب الدراسات و البحوث التي أطلعنا عليها على البعدين الديني و / أو القومي عند تناولها لمسألة الهوية و أزمتها. و تغفل كليا ً عن البحث في إمكان تعريف الهوية استنادا ً إلى مقومات وطنية أو قطرية و ذلك اعتقادا ً منهم أن الإقرار بالخصائص الوطنية للهوية يتعارض أو يتنافى أو يلغي الخصائص الدينية أو القومية أو كلاهما معا ً. و لكن ذلك اعتقاد لا يقوم على أسس حقيقية، و إنما هو مستمد من مخاوف من أن تكون الهوية الوطنية بديلا ً أبديا ً عن الهوية القومية" العربية "، أو أن يقعد ذلك الشعوب العربية عن السعي نحو الوحدة. و الحقيقة الناصعة هي أننا أصبحنا، و بعد تجربة سياسية مريرة لأكثر من نصف قرن من الزمان، بعيدين عن حلم الوحدة بفضل أفعال و سياسات الأحزاب و الحكومات التي نادت بالوحدة. تلك الأحزاب و الحكومات التي رفضت أي بحث في إمكانية تعريف الهوية استنادا ً إلى الواقع الراهن معتبرة إياه نوعا ً من الهرطقة كما حصل مع رفض الهوية الفرعونية في مصر و الهوية الفينيقية في سوريا و لبنان. و نعتقد أنه، و بعد تجربة طويلة من الهزائم و الاخفاقات، فإن من حقنا أن نشك في جدوى ذلك الإقصاء المبرم للبحث في تعريف الهوية الوطنية فنسأل: هل كان تحقيق الهوية القومية في كل من فرنسا و ألمانيا و إيطاليا و أيرلندا .. إلخ، حائلا ً دون تحقيق هوية أوسع هي الهوية الأوربية؟ و إذا كان الجواب بالسلب، فإن من حقنا أن نقرر بأن تحقيق الهوية الوطنية المرتبطة بكيان سياسي و اجتماعي واقعي شرط لا بد منه لتحقيق أية هوية أخرى أوسع منها. كما أن الخيار بين الهوية الشاملة ممثلة بالدين أو القومية و الهوية الوطنية غير متاح الآن على نحو يجعل اختيار إحداهما نفيا ً و نقضا ً للأخرى. و الصحيح أن نقول أن الخيار الوحيد الممكن هو خيار الهوية الوطنية لأنه يعبر عن حاجة ملحة و لا يتعارض بالضرورة مع الخيارات الأخرى، بل يمكن أن يتكامل معها مستقبلا ً. و في الحالة العراقية، تتميز هذه الهوية بكونها تستند إلى وجود تاريخي موغل في القدم هو تاريخ بلاد ما بين النهرين. كما أن العراقيين كانوا مميزين في زمن الدولتين العباسية و الأموية. إذ يشير كثير من المؤلفين العرب و المسلمين في كتب الأدب و الرحلات و التاريخ العربية إلى العراقيين، و كذلك يفعلون بالنسبة لمصريين و الشاميين، بوصفهم جماعة مميزة تقطن بلاد ما بين النهرين دون أن يتهم أحد القائلين بذلك على أنهم يسعون إلى نسف أسس الدولة الإسلامية القائمة آنذاك. و تستند الهوية العراقية أيضا ً إلى التاريخ الحديث الذي بدأ مع تكوين الدولة العراقية في العام 1921م. و هو التاريخ الذي أستمر إلى الآن بالرغم من تفكك الدولة في العام 2003م و انهيارها الشامل نتيجة الغزو الأمريكي. و يجب أن تستوعب الهوية الوطنية العراقية، بحكم التعريف، كل ما يميزها عن الهويتين الدينية و القومية دون أن تتناقض معهما بالضرورة أو أن تلغي إمكانية التكامل مع ما يتحقق منهما فعليا ً. كما يجب أن تكون الهوية الوطنية العراقية هي الوحيدة التي يتجمع العراقيون تحتها. أما الصفات الأخرى العرقية و الدينية و المذهبية فهي ليست مما يرقى إلى مستوى الهوية مطلقا ً. أي أنها ليست هويات بديلة أو رديفة، و لكنها بالتأكيد من مقومات الهوية الوطنية العراقية. إنها خصوصيات تحظى بالاحترام و ليس لها أن تكون على تناقض مع الهوية الوطنية العراقية مطلقا ً. فإذا اتفقنا على أن أهم وظائف الهوية أن تحدد و تفرز و تميز على أسس واقعية و ملموسة و ليس في فراغ نظري مشتق من الرغبات و الأمنيات، و إذا اتفقنا مع برهان غليون في أنه ’ لا تطرح مشكلة الهوية الحقيقية إلا داخل نظام موحد‘ ( برهان غليون، نفسه: 309)، و اختزلنا معنى النظام الموحد إلى ما هو محلي و عراقي تحديدا ً، و ذلك لأسباب جوهرية يفرضها واقع العراق السكاني المعقد أصلا ً و ما يشهده الآن من اضطرابات و صراع يكاد يطيح بوحدة البلاد، فسيكون من المنطقي أن تتضمن الهوية الوطنية العراقية كذلك كل ما يميز العراقيين عن جيرانهم، سواء أكانوا من العرب أم من المسلمين. و أن تتضمن أيضا ً كل ما يشكل أساسا ً راسخا ً لوحدتهم من مقومات إيجابية يمكن أجمالها بالآتي : المقوم الأول هو مقوم النظام السياسي الموحد ضمن دولة واحدة و على أرض واحدة. و إذا كان القول بوجود النظام الموحد و الدولة الواحدة يثير مسألة حساسة هي طبيعة نظام الحكم في الأرض الواحدة،. تلك الأرض التي تستمد وحدتها من وحدة الإرادة السياسية لمكونات الشعب العراقي كافة؛ ذلك أن وحدة الشعب على أسس موضوعية من أهمها الهوية الوطنية هي الضامن الوحيد لوحدة الأرض و الدولة. على أن ذلك يدعونا إلى القول بأن المفاضلة بين أن يكون النظام السياسي في العراق الجديد مركزيا ً أو اتحاديا ً، على أهميتها، لا ينبغي أن تحول دون الأخذ بنظر الاعتبار ذلك التنوع الكبير في مكونات الشعب العراقية، و كذلك ذكريات الماضي القريب و ما خلفته من مخاوف و شكوك. فهذه أمور تجعل اختيار النظام الاتحادي أمرا ً مرغوبا ً فيه شرط أن لا يكون ذلك تمهيدا ً لتقسيم وشيك للعراق. و يمكن أن نضيف إلى ذلك أن النظام الاتحادي يؤمن مرونة أداء إدارية و سياسية عالية إذا ما أحسن التخطيط لـه و سياسته و استثماره. و المقوم الثاني هو الإقرار بالتنوع العرقي للشعب العراقي ( عرب، كرد، تركمان، و أية أقليات صغرى أخرى). و المقوم الثالث هو الإقرار بالتنوع الديني و المذهبي( مسلمون، مسيحيون، إيزيديين، صابئة). و هنا سيكون التسامح القومي و الديني سمة جوهرية من سمات الهوية العراقية حين لا يكون هناك مجال لأية نزعة استعلائية من أية جهة كانت إزاء المجموعات الأخرى. و المقوم الرابع هو الإقرار بالتنوع الثقافي و اللغوي بما يخلق قاعدة أساسية من الشعور و الممارسة لحرية تحقيق السمات الثقافية الخاصة بكل جماعة من المكونات دون تناقض مع سمات الآخرين الثقافية الخاصة. أما المقوم الخامس الذي يعد نتيجة لكل المقومات السابقة فهو الإقرار بالتنوع الفكري و السياسي الذي يسمح لكل الأفكار و الآراء أن تزدهر بحرية و دونما وصاية أو منة من أحد. و الشرط الوحيد لهذا المقوم الأخير هو أن لا ينطوي التنوع السياسي على أي تحريض، صراحة أو ضمنا ً، للاحتراب الداخلي أو ينسف أحد أسس الهوية الوطنية العراقية. وذلك استنادا ً إلى أن من أهم وظائف الهوية أن تحمي الكيان السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي من أية محاولة لتدميرها. و حتى لا يتناقض هذا المقوم مع حرية الرأي إذ قد يغلق الباب أمام أي اجتهاد أو تغيير مما قد يراه بعض المفكرين ضروريا ً، و نظرا ً لأن الحرية تعني المسؤولية، فإن بالإمكان أن يكون شرط التعبير عن أية آراء مناقضة لما ورد أعلاه هو أن يكون بصيغة دعوة سلمية و من خلال المؤسسات الدستورية. و أن يوكل البت في أية تهمة من هذا القبيل إلى القضاء النزيه و المستقل.
و أخيرا ً يمكن أن نقرر، و نحن ندعو الآخرين من كل الجهات إلى مناقشة ما طرحناه هنا بروح الحوار الإيجابي البناء، أن خيار الهوية الوطنية العراقية هو الأكثر تعبيرا ً عن تاريخ العراق البعيد و القريب، و هو الأكثر التزاما ً بحقائق الواقع الاجتماعي و السياسي الراهنة في العراق، كما أن من المأمول أن يكون هذا الخيار هو الأكثر ضمانا ً لمستقبل عراق موحد مزدهر يسوده السلم الأهلي، و يعيش فيه مواطنون عراقيون أحرار و أسوياء و متساوون في الحقوق و الواجبات. وهو عراق يفخر أبناؤه بالانتساب إليه و يفخر هو بهم. كما إنه خيار هوية ذات مضمون سياسي وطني سيغلق باب الدكتاتوريات إلى الأبد. و يحظى فيه من تعرضوا للظلم بالإنصاف و العدل، دون أن تسمح مثل هذه الهوية بخلق مظالم جديدة لأية جهة كانت.
و في تقديري أن العراق المعافى و ذا الهوية الحقيقية و البناءة التي أوضحنا مقوماتها في أعلاه سيكون عنصرا ً إيجابيا ً في أية جهود تبذلها دول الجوار أو المنطقة للتعاون الإقليمي السلمي و البناء و غير الموجه لعزل هذه الدولة أو تلك. كل ذلك سيكون ممكنا ً عندما تنضج الظروف الموضوعية المناسبة و تتمكن هذه الدول كافة من الخروج من دائرة الكيد و التناحر السياسي الضيقة إلى فضاء التعاون و العمل السياسي الخلاق. و بذلك أيضا ً لن تكون أرض العراق منطلقا ً للعدوان على أي من دول الجوار.

و لكي يتحقق هذا الحلم النبيل، حلم الهوية الوطنية العراقية، فإن ذلك يتطلب حوارا ً معمقا ً و متواصلا ً بين المثقفين و الباحثين و الساسة و أعضاء مجلس النواب ( و عسى أن يكرسوا جلسات خاصة لهذا الموضوع الحيوي) من أجل صوغ مفهوم للهوية الوطنية العراقية التي تحفظ للعراق وحدته و تفتح أمام أبنائه كافة سبيل العمل الحقيقي المثمر. و هو المفهوم الذي سيجد كل مكون من مكونات الشعب العراقي نفسه فيه دون إلغاء و تهميش للآخرين. كما أن من شأن مثل هذا المفهوم أن يتحول، من خلال الممارسة، إلى نسق فكري شامل و معبر عن أهم ما يتميز به العراقيون. و لعل من المناسب أيضا ً أن ندعو إلى مشاركة فعالة لوسائل الإعلام و لمؤسسات المجتمع المدني و المؤسسات الأكاديمية و البحثية. كما ندعو إلى أن يكون هذا الموضوع على رأس أولويات مؤتمر المصالحة الوطنية الذي سيعقد في بغداد في شهر حزيران القادم. ذلك أنه حين يتوصل المتحاورون إلى اتفاق على أسس هذه الهوية ، سيكون ذلك مقدمة أساسية تسهل عليهم أن يتوصلوا إلى صوغ أسس المصالحة الوطنية. كما إن على الأحزاب و المواطنين و المثـقفين و الساسة و كل من لـه اهتمام بالشأن العام أن يتبنوا هذه الهوية عن قناعة و رغبة، و أن يعملوا على تجسيد إيمانهم بهوية العراق الوطنية في السر و العلن، و من خلال الخطاب و الممارسة معا ً، و ليس عبر الشعارات فقط.

المصادر
الجابري، محمد عابد " مسألة الهوية: العروبة و الإسلام و الغرب"، مركز دراسات الوحدة العربية. بيروت. 1996.
سلامة، يوسف "الإسلام و التفكير الطوباوي"، دار كنعان للدراسات و النشر. دمشق.
غليون، برهان " حوارات من عصر الحروب الأهلية "، المؤسسة العربية للدراسات و النشر. بيروت. 1995.

|[خواآاطر]|
29-01-2010, 12:27 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

تم غلق الموضوع .. نظراً لتلبية الطلب

بالتوفيق ،،